الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التصوير الفوتغرافي لذوات الأرواح قد اختلف في حكمه أهل العلم، فمنهم من حرمة إلحاقاً له بالتصوير المحرم، نظراً إلى دخوله في عموم مسمى التصوير الذي دلت الأدلة الصحيحة على تحريمه، ومنهم من أباحه نظراً إلى كونه ليس تصويراً بالمعنى الذي كان معروفاً في عهد التشريع فلم تتناوله النصوص الشرعية، بل إنهم قالوا: إنه مخالف لحقيقته، فالذي كان معهوداً في ذلك العهد هو إيجاد صورة محاكية لخلق الله تعالى، وأما التصوير الموجود الآن فإنما هو حبس لظل عين ما خلق الله تعالى، وطبع ذلك الظل، وليس محاكاة لما خلق الله تعالى.
وهذا التفريق الذي ذكره المبيحون حسن لو سلم لهم أن علة التحريم هي مضاهاة خلق الله فقط. لكن ذلك غير مسلم لهم، فهنالك أمور أخرى يذكرها المانعون عللاً للتحريم، منها: أن التصوير وسيلة للتعلق بأصحاب تلك الصور، والغلو فيهم حتى يفضي ذلك إلى تعظيمهم وعبادتهم من دون الله تعالى، وفي الصحيحين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة، وذكرتا ما فيها من تصاوير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن هؤلاء إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".
وقد نص ابن العربي في أحكام القرآن على هذه العلة حيث قال: " والذي أوجب النهي عن التصوير في شرعنا -والله تعالى أعلم- ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب".
ومن العلل التي يذكرها المانعون أيضاً أن تصوير ذوات الأرواح واتخاذها واقتناءها عبثاً فيه تشبه بالكافرين الذين يصورونها ويقتنونها ويعبدونها من دون الله تعالى، ولا شك أن التشبه بالكافرين ممنوع، وخاصة فيما له تعلق بالعقيدة، فقد نهينا عن السجود لله تعالى عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن ذلك وقت سجود الكفار لها، كما في صحيح مسلم وغيره.
ومن العلل أيضاً أن الصور مانعة من دخول الملائكة. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة".
وهذه العلة يذكرها جماهير العلماء ويقررونها.
وبناء على ما تقدم فالذي يظهر لنا -والله تعالى أعلم- هو أن القول بمنع مالا تدعو الضرورة أو الحاجة الملحة إليه من التصوير الفوتغرافي قول له حظ كبير من النظر، وأن القول بإباحة التصوير الفوتغرافي مطلقاً قول غير سالم من بعض المآخذ، لأن المبيحين اعتمدوا فيه على أن علة التحريم هي: مضاهاة خلق الله تعالى فقط، وقد علمت أن العلة قد تكون المضاهاة وما انضم إليها من علل أخرى وعليه فإننا ننصح الأخ السائل بعدم التقاط صور ذوات الأرواح خروجاً من الخلاف، واستبراء لدينه، وبعداً عما يريب، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" كما في المسند والسنن.
وننبه السائل أيضاً إلى أن تصوير العائلة فيه أمر زائد وهو أنه قد يشمل تصوير النساء، وهذا فيه محذور شرعي آخر، وهو احتمال أن ينظر إلى تلك الصورة من الرجال من لا يحل له النظر إليها، ولا شك أن ذلك أمر محرم.
والله أعلم.