الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعهد مع الله يجب الوفاء به، وقد ذم الله المنافقين بعدم وفائهم بعهودهم قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ {سورة التوبة: 75-77}
وهذا الوعد يعتبر نذرا لما تضمنه من القربة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَالْعُهُودُ وَالْعُقُودُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّفِقَةٌ، فَإِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ. فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ. وَإِنْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا فَيَمِينٌ وَعَهْدٌ لَا نَذْرٌ، فَالْأَيْمَانُ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى النَّذْرِ، وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِلَّهِ قُرْبَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ، وَهِيَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ وَمُعَاهَدَةٌ لِلَّهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلَّهِ مَا يَطْلُبُهُ اللَّهُ مِنْهُ (الفتاوى الكبرى 5 /552).
فعلى السائل أن يفي بوعده، فإن لم يستطع فعليه كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ رواه مسلم (1645).
وقد سبقت بعض الفتاوى في وجوب الوفاء بعهد الله 9746، 7375، 29057، 29806، 32816، 43612، 53306، وأخرى في النذر وأحكامه وكفارته 3630، 3457، 5526.
وأما ما ذكره السائل الكريم من حال هذا الشخص الذي يسأل ما اسم الزوجة واسم أمها، ويأمر بإحضار ماء في كأس، وفيه ملح، ويأمر برشه في مدخل البيت.. فهذا يفيد أنه مشعوذ، ومثل هذا لا يجوز الذهاب إليه، ولا الاستعانة به، ولا التعامل معه؛ فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ؟ قَالَ: "فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ. رواه مسلم (537). وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. رواه مسلم (230).
وقد سبق ذكر العلامات الفارقة بين المشعوذ والراقي 6347، 68576، 34333، 49574.
واعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أن الذنوب هي أصل البلاء، فما نزل بلاء إلا بذنب، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30}.
فعليك بالتوبة والاستغفار، ثم الاستعانة بالله، وحسن الظن به، وصدق التوكل عليه، ثم لزوم تقواه سبحانه والاستقامة على شريعته، ثم الأخذ بالأسباب وعدم العجز، مع لزوم الاستخارة، واستشارة ذوي النصح والخبرة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. رواه مسلم (2664).
وأذكرك أخي الكريم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ رواه مسلم (2999).
كما أذكرك بقول الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {سورة البقرة: 216} وقوله صلى الله عليه وسلم: عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ. رواه الترمذي وحسنه (2396) وابن ماجه (4031) وحسنه الألباني الصحيحة ( 146).
ولا تنس أيها الأخ الكريم أن سلاح المؤمن الذي لا ينبغي أن يفارقه هو الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ.رواه الترمذي وحسنه (2139) وحسنه الألباني (الصحيحة 154).
وقال أيضا صلوات الله وسلامه عليه: مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهُ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. رواه أحمد (14465) والترمذي (3381) وحسنه الألباني (المشكاة 2236 ).
والله أعلم.