الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
أما اشتراط الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها فباطل لا يصح عند أكثر الفقهاء لأنه مخالف لمقتضى العقد، وذلك لأن الله سبحانه قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}، والطلاق فرع عن جعل القوامة للرجل، وبالتالي فإن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل، وهذا هو الذي يتفق مع الفطرة، فالرجل هو الراعي للأسرة وبيده مفاتيح الحل والعقد، والرجل أقدر من المرأة في الغالب على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله، وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين، ويثور الغضب بينهما.. وذهب الأحناف إلى جوازه إذا ابتدأت به المرأة فقالت: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي كلما شئت، فقال الزوج: قبلت.. ويكون أمرها بيدها.
أما لو بدأ الزوج فقال: تزوجتك على أن أمرك بيدك فإنه يصح النكاح ولا يكون أمرها بيدها لأن التفويض وقع قبل الزواج. وقال المالكية: لو شرطت المرأة عند النكاح أن أمرها بيدها متى أحبت، فهذا العقد مفسوخ إن لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها ثبت النكاح ولها صداق المثل، وألغي الشرط فلا يعمل به لأنه شرط مخل. يراجع في ذلك الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه.
وأما تفويض الزوج لزوجته أن تطلق نفسها بعد العقد فأكثر الفقهاء على جوازه، ونقل الإجماع على ذلك، ثم اختلفوا فيما إذا فوضها هل يتقيد ذلك بمجلس التفويض فقط فلو طلقت نفسها بعد ذلك لم يقع أم أن ذلك يكون على التأبيد ما لم يرجع الزوج؟
فقال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته، لأنه تخيير لها، فكان مقصوراً على المجلس كقوله: اختاري.
وأما الحنابلة فقد جعلوا ذلك الحق لها على التأبيد ما لم يرجع الزوج، أو يطأها، قال ابن قدامة في المغني:(ومتى جعل أمر امرأته بيدها، فهو بيدها أبداً لا يتقيد بذلك المجلس). ثم رجّح هذا الرأي بقول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها: هو لها حتى تنكل. قال (أي ابن قدامة): ولا نعرف له في الصحابة مخالفاً، فيكون إجماعاً، ولأنه نوع توكيل في الطلاق، فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي بقي أن نشير إلى مسألة مهمة، وهي رجوع الزوج عن جعل عصمة الزوجية بيد الزوجة هل يقبل أم لا؟ الراجح أن الزوج له حق الرجوع، وفسخ ما جعله لها، وعندئذ يرجع حق التطليق إليه وحده، ولو وطئها الزوج كان رجوعاً، لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكّل فيه يبطل الوكالة، وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل، كما تبطل الوكالة بفسخ التوكيل. انظر المغني لابن قدامة.
وأما قول السائل "وما هي الأحكام المترتبة في الزواج للذكر والأنثى" فإن كان المقصود هو حقوق كل من الزوجين، فنقول لكل من الزوجين حق على الآخر:
أولا: حقوق الزوج على زوجته، وهي كثيرة وأهمها:
1- طاعته في المعروف، أي في غير معصية الله.
2- أن تمكنه من نفسها متى شاء، قال صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأت فبات غضباناً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. متفق عليه.
3- ألا تدخل بيته من لا يرغب في دخوله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه. رواه البخاري ومسلم.
4- أن تحافظ على ماله ولا تنفقه إلا بإذنه، وذلك لأن المرأة راعية في بيت زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها. متفق عليه.
5- ألا تخرج من البيت إلا بإذنه.
6- أن تربي أولاده تربية صالحة.
ثانيا: حقوق الزوجة على زوجها، وهي كثيرة وأهمها:
1- المهر، قال تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً {النساء:4}، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته، وإعزاز للمرأة وإكرام لها.
2- النفقة وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة، والمقصود بالنفقة: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، وكسوة، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية، لقوله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:233}، وقال عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ {الطلاق:7}.
3- حسن العشرة، فيجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها، قال سبحانه: وعاشروهن بالمعروف {النساء:19}، هذه أهم الحقوق ومن أراد المزيد فليراجع كتب الفقه... وللمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 66123، 22854، 9050.
والله أعلم.