الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبالنسبة للحرية النفسية فهي: أسلوب إيحائي ممزوج بنوع من أنواع التدليك الخاص سوءا كان بالربط أي بالنقر بالأصابع، أو كان بطرق التدليك المعلومة، ولكن بصورة معينة على مواضع مخصصة من الجسد، بزعم أنها مراكز الطاقة في الإنسان مع ألفاظ يكررها الإنسان، وتملى عليه ليحصل له استجابة نفسية لذلك .
وأصل هذه التقنية راجع إلى أصول دينية ترجع إلى دين المشركين من الهندوس والبوذيين وأصل دين عموم التبت.
والذي يظهر لنا – والعلم عند الله - بعد دراسة مجملة لهذه التقنية ما يلي :
1- أن هذا الأمر إنما هو مجرد دعوى لا دليل عليها، وحصر مناطق الطاقة في بدن الإنسان بهذه المواضع أمر لا يثبت بأي برهان، ولا حجة، وهذه البرامج لا تقوم على نظريات علمية راسخة بل هي مجرد ظنون، وقد عاب الله سبحانه في محكم التنزيل من يتبع الظن ويعرض عن الهدى فقال سبحانه: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى {النجم:23}
2- أنه مع كونها من الظنون فإنها من ابتداع أهل الشرك والزيغ وكثير من مصطلحاتها توافق شعائرهم وما يقدسونه فهم مثلا يسمون نقطة الترقوة التي ينقر عليها بالأصابع بنقطة "طرازان" ويسمون نقطة تحت الذراع بـ "القرد" وهو الحيوان المعلوم، وهذه التسميات راجعة إلى علوم ومعارف أهل الصين من أصل دين التبت، فإن لهم أعياداً يحتفلون بها تارة تكون باسم عيد القرد، وتارة باسم عيد الفأر، وغير ذلك مما هو معلوم لمن كان له اطلاع على أمورهم
فإن كان الأمر على ما ظهر لنا فإنه لا يجوز ممارسة هذه التقنية لا تعلما ولا تعليما ولا تداويا وذلك لما يلي:
أولا: أن الأصل في التداوي أن يكون بما يسره الله من الأسباب الشرعية والدنيوية، وهذه الطريقة ليست من الأسباب الشرعية ولم يثبت كونها من الأسباب الدنيوية، فلا يجوز التداوي بها, بل قد يدخل ذلك في باب الشرك الأصغر لأن طلب التداوي بشيء لم يثبت كونه سبباً لا شرعاُ ولا حساً، نوع من الشرك الأصغر، وذلك مثل: لبس الحلقة والخيط، والقلائد التي يقال أنها تمنع العين، وما أشبه ذلك، لأن فاعل هذا قد أثبت سبباً لم يجعله الله سببا، ففيه نوع منازعة لله في ملكه وإشراك به حيث شارك الله سبحانه في وضع الأسباب لمسبباتها.
ثانيا: أنه ذريعة إلى التشبه بالكفار وأهل الملل الزائغة الضالة، في طقوسهم وشعائرهم والشرع حريص على سد هذه الذرائع بكل وسيلة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
وحدوث استجابة من بعض الأشخاص لهذه البرامج لا يؤثر في الحكم، وذلك لأنه إذا اجتمع في الشيء المصلحة المرجوحة والمفسدة الغالبة منع منه اعتبارا للمفسدة الراجحة، والله سبحانه الذي حرم الخمر هو سبحانه الذي قال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة:219}
فأثبت لها بعض المنافع للناس ولم يكن ذلك مانعا من تحريمها.
وأما إذا ثبت بأبحاث علمية دقيقة أقرها أهل التخصص صحة مثل هذه التقنيات وتأثيرها في شفاء بعض الأمراض، فلا مانع عندئذ من الاستفادة من هذا العلم، ولكن بعد غربلته وتصفيته مما علق به من طقوس أهل الملل الزائغة، بحيث يصير علما دنيويا بحتا شأنه شأن سائر العلوم الدنيوية كالطب والهندسة وغيرها.
وليعلم المسلم أن الله سبحانه أغناه في علاج الأمراض النفسية عن مثل هذه الأمور بما فتح له من أبواب العبودية من صلاة وصيام وذكر وصدقة ونحوها، فينبغي للمسلم أن يعرض عن مثل هذا وألا يلتفت إليه، وكيف يلتفت إليه ويترك ما أنعم الله به على هذه الأمة من العبادات التي هي سبب في شرح الصدوروهدوء النفوس وطمأنينة القلوب، قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}
وإنما يتلقف هذه الأفكار كثير من الناس نظراً لحصول القلق والهم والغم، والاكتئاب، والحزن، والمشاعر المضطربة، التي هي ناشئة في الأساس عن البعد عن منهج الله، والانطلاق في إجابة داعي الهوى والنفس الأمارة بالسوء، ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من أوامر الله وهجروا الذنوب والمعاصي لهنئت نفوسهم وطابت معايشهم، قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97}
وقال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {الأنعام:82}
والله أعلم.