الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه. فلا يقبل الله عملاً إلا بنية، والنية كما قال النووي: هي القصد إلي الشيء والعزيمة على فعله. وقال القرافي المالكي في تعريفها: هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله. وقال الخطابي: النية قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له، وقيل: عزيمة القلب.
ومن كلام العلماء السابق يظهر لكَ أنك إذا عزمت بقلبك عزماً جازماً علي فعل المراد فقد نويت ، فلماذا هذه الوسوسة؟ والله عز وجل لم يشق علي عباده فالأمر أيسرُ بكثيرٍ مما تظن، وأمر النية لا يحتاج إلي هذا التكلف بل كلُ أحدٍ مضطرٌ إلي نية ، بل لا يُتصور أن يوجد فعلٌ بلا نية. فقد نص ابن الهمام الحنفي في فتح القديرعلى: أن الفعل الاختياري لا بد في تحقيقه من القصد إليه. وعدَّ شيخ الإسلام القصد إلى الفعل أمراً ضرورياً في النفس، فقد قال في مجموع الفتاوى: ولو كُلف العباد أن يعملوا عملاً بغير نية كُلفوا مالا يستطيعون.
فقيامك إلي الوضوء وفعلك أفعال الوضوء المقصودة، بنية الصلاة نية كافية ، فنحنُ ننصحك أن تُعرضَ عن كل هذه الوساوس وأن تقبل على عبادتك غيرَ شاكٍ في نيتك.
وأما بخصوص ما ذكرته عن وجوبِ اقتران النية بأول العبادة فهذا هو مذهب الشافعي، إلا أن الجمهور على جواز تقدم النية على العبادة بالزمن اليسير، وهذا القول أولى.
والنيةُ تجب ولا شك للوضوء والغسل لأنهما عبادتان مقصودتان، فعليكَ إذا أردت الوضوء أو الغسل أن تنويَ رفع الحدث أو استباحة الصلاة، ثم لا توسوس بعد ذلك في أمرِ النية، فإن كل من أجنب ودخل الحمام ليغتسل مستحضراً أنه جنب وأنه يريد الصلاة، فإنه يغتسل ولا بد لرفع الجنابة، والتلفظ بالنية من الأمورِ المحدثة كما نص على ذلك شيخ الإسلام وغيره.
وما ذكرته من أن الفتاوي التي أُحلت عليها من قبلُ لحالاتٍ لا تشبه حالتك، نظن أنه كلامٌ غيرُ صحيح، فالوسوسة داءٌ واحد وإن ظهر في صورٍ مختلفة، وعلاجه هو الإعراض عنه ونبذه بالكلية، وكونك بدأت تتعافى بشيرُ خير، لكن عليكَ أن تستمر في هذا الخط الصاعد حتى تتماثل من هذا الداءِ تماماً، لكي لا يجتالك الشيطان ويلبِّس عليكِ عبادتك، وللمزيد انظر الفتوي التالية: 22021.
والله أعلم.