الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته عن نفسك من عدم حمل الغل والحقد على الناس صفة محمودة شرعا، وكانت سببا لشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من الصحابة أنه من أهل الجنة. والحديث في مسند أحمد وغيره بسند صحيح.
وأما ما فعله الرجل بك بعد هذا الإحسان وذهابه بلا وفاء فليس من أخلاق أهل الإيمان، إذ الإسلام أمر بأداء الحقوق والأمانات إلى أهلها، وما فعله ظلم إلا أن يكون معسرا فنظرة إلى ميسرة كما قال تعالى .
أو يكون قد ذهب فعرض له عارض حبسه عن الرجوع والعودة فيمهل إن لم يتمكن من إيصال الحق الذي عليه بوسيلة أخرى.
وأما ما حملته على هذا الرجل من بغضاء بسبب ظلمه لك فإنك لا تأثمين به ولا يمنع من قبول عملك، فلا علاقة له بصحة الصيام وقبوله، أو قبول الأعمال، فالله يقول عن أهل الإيمان: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ* وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.{الشورى:39، 40}
ويقول عن أهل التقوى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ {الأعراف:43}. مما يدل على أن وجود الغل والحقد على من ظلمك أمر جبلي يوجد حتى في أهل التقوى فضلا من غيرهم، والشريعة تكليفها فيما يطيقه العبد لا مالا يستطيع مدافعته كهذا، وإن كان المستحب للمسلم أن يعفو عمن ظلمه وفي ذلك أجر كبير.
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحة وفيه: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا. وفي رواية: إلا المتهاجرين.
فهذا محمول على الخصومة في الباطل والمشاحنة في الباطل لا إذا كانت على حق، كما أن الهجر الممنوع فوق ثلاث يزول بالسلام كما قال أهل العلم، هذا وننبه الأخت السائلة أن علاقة المرأة بالأجنبي عنها يجب أن تكون منضبطة بضوابط الشرع لذلك، فلا تتكلم معه إلا لحاجة مع اجتناب الكلام المثير، وأن تحتجب أمامه ولا تختلي به، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى.
والله أعلم.