شبهات وجوابها حول تشريع الطلاق في الإسلام

27-10-2008 | إسلام ويب

السؤال:
لي بعض الاستفسارات مشوشة ومغيبة عني... علماؤنا ومشايخنا الأجلاء يناقشون دائما مشاكل الأسرة المسلمة فى الفضائيات والمحاضرات والاجتماعات الخاصة ألم نلاحظ أن 90% من وجود أطفال الشوارع- وانتشار الإدمان والكلة- وانتشار الجريمة بالشوارع- وانتشار الزواج غير الشرعي بمسمياته المختلفة- وانتشار أغلب المفاسد والموبقات- والعداء بين الأسر والعائلات.. أعتقد أن سبب ذلك يرجع لخروج لفظ الطلاق من الزوج بصرف النظر مقصود أم غير مقصود.. بنية صادقة أو بغير نية.. ما أعرفه على حد علمي المتواضع بجانب علوم علمائنا أن الله تعالى شرع الطلاق وجعله حلالاً فى حالة واحدة فقط وهي (استحالة استمرار العشرة) بأسبابها المتعددة.. وللتأكد من ذلك أوصى ربنا العالم بالنوايا: استدعاء حكما من أهله وحكما من أهلها لإصلاح ذات البين.. وإن لم يتمكنا من الإصلاح يتأكدان من واقعة الطلاق.. وعليه أتساءل لماذا يقر علماؤنا الكرام بصحة الطلاق بمجرد خروج اللفظ من الزوج وإن كان مازحا أو ناسيا أو غاضبا دون التأكد من نوايا الزوج وما يقصده.. وفى غيبة الحكمين الذي أمرنا ربنا بحضورهما.. إذا وقع الطلاق بالطريقة السابقة.. (وطلقوهن لعدتهن) من الذي يحدد مدة العدة للزوجة.. الزوج أم الزوجة.. وكلاهما غير مقتنعين بما حدث.. أعتقد من الضرورى الرجوع لموضوع الحكمين كما قال الله تعالى.. لو أقرت الزوجة المتدينة أن زوجها طلقها 3 مرات وأنكر الزوج ذلك.. ما العمل.. وما موقف الدين، إذا أراد الرجل صادقا تطليق زوجته.. فماذا يضره لو طلقها رسميا.. الزواج له شروط لا يصح إلا بتوافرها وعدم توافرها كارثة.. وأعتقد أن كارثة الطلاق كارثة كبرى بل أكبر.. فلماذا لا يتوافر فى الطلاق ما نوفره فى الزواج.. إذا كان الطلاق حق للرجل فقط.. فهل نقر له ذلك بهذه السهولة واليسر.. وإذا كان حق للزوج فقط فلماذا نقر طلاق الزوجة بطريقة الخلع وتشهيرها بالرجل وتجريسة.. وعليه يكون الطلاق حق للزوجة أيضا وليس للزوج فقط.. أعلم أن علماء الأزهر والأوقاف يبحثون بكل جدية (الكشف الطبي قبل الزواج/ استخراج تصريح لمن يريد تحديد جنسية المولود/ تحديث الخطاب الديني تلاشيا لعذاب القبر وثعبانه الأقرع وأيضا لبث روح التفاؤل لا التشائم بقسوة الحياة المعيشية الحالية.. وغيره) .. ألم يجدر بهم أن يتفضلوا للبحث عن كيفية تحديث الطلاق حفاظاً على كيان الأسرة كلبنة المجتمع الإسلامى ومع المتغيرات العصرية المختلفة المحيطة.. أعتقد أنه عندما يكون الطلاق رسميا أو أمام الحكمين.. سيريحنا ويوفر علينا الكثير من مسميات الطلاق (طلاق المكره- السكران- الهزل- الغضبان- الغافل- الساهي- المدهوش- الطلاق على شرط).. إلخ، أنا فى حيرة كبيرة.. ولا أعرف.. يا ترى الإسلام ولا المسلمين أيهما يحرص على هدم كيان الأسرة المسلمة بهذه السهولة وبكلمة عفوية تخرج من فم الزوج.. مازحا أو ناسيا أوغاضبا.. ولم نجد لهما مخرجا إلا بالتشريد.. معتمداً على (ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: الزواج والعتق والطلاق).. فى حين باب التوبة مفتوح للقاتل (ولو قتل 100 نفس).. وهل يجوز أن يزوج الأب (الولي) فى حالة اتفاقه مع عريس لابنته دون موافقتها كما فى الحديث.. الله أعلم.
المسيحية لا تجرم الطلاق بل تحرمه إلا لعلة الزنا فقط (والتى يستحيل إثباتها).. بمعنى إنها تصعب كل الطرق المؤدية لذلك حفاظا على كينوناتهم.. ونحن كمسلمين أمامنا الإسلام بمساحاتة الشاسعة من الغفران والسماحة.. نبحث عن أي شيء بسيط (وكأننا بانتظار من يتلفظ) لنشرد أسرته.. لماذا الله أعلم.. وأخيراً أنا لا أرفض ولا أعترض وما كان ليكون لمثلي أن يخوض في ذلك وإنما الغرض الاستفسارالنابع والحرص الشديد على كيان الأسرة وتماسك المجتمع الإسلامى.. فقط لاغير.. ولك مني ومن جميع المسلمين الشكر والدعوات بالخير... وأعتذر كثيراً للإطالة.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

بداية ننبه السائل إلى أن المسلم يتلقى أحكام الشرع بالقبول والتسليم، واليقين بأن كلها عدل ورحمة وحكمة، قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  {الأنعام:115}، وقال تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {هود:1}، وقال تعالى: تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {فصلت:2}، ورغم أن هذه الأحكام قد شرعت لحكم بليغة باهرة، إلا أننا قد ندرك تلك الحكم وقد لا ندركها، كما أن العلماء يتفاوتون في إدراك تلك الحكم، التي تزيد معرفتها الإيمان بالله والتعرف على صفاته سبحانه وتعالى، كما أن عدم معرفتها لا تنقص الإيمان ولا تمنع التسليم لهذه الأحكام، فشعار المسلم معها دائماً "سمعنا وأطعنا"، وليس من شأنه أبداً أن يقدم رأيه عليها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الحجرات:1}

أما عن أسئلتك:

1- ما ذكرته من مشكلات وأرجعت سببه إلى خروج لفظ الطلاق، فيه مبالغة كبيرة، فهناك أسباب كثيرة لهذه المشكلات غير الطلاق، كتعطيل أحكام الشرع، وتبرج النساء، وفساد كثير من مواد الإعلام، وانتشار البطالة... وغير ذلك.

2- أ- ليس من شرط الطلاق وجود الحكمين، وإنما يبعث الحكمان عند خوف الشقاق، وليس كل طلاق يكون بسبب النزاع بين الزوجين، ولكن قد يكون لعيب في أحدهما، أما عن وقوع الطلاق مع النسيان -على خلاف في وقوعه-أو مازحا أو غاضبا فقد تقدم الكلام فيه في الفتوى رقم: 14603، والفتوى رقم: 12827، والفتوى رقم: 22349، والفتوى رقم: 1496.  

ب- المقصود بقوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن" أن طلاق المرأة يجب أن يكون في طهر لم يجامعها فيه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله وسلم صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مره فليرجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. رواه البخاري في صحيحه.

ج- إذا ادعت الزوجة أن زوجها طلقها ثلاثاً (ولا بينة لها) وأنكر الزوج، فالقول قول الزوج، وذلك لأن الطلاق إلى الزوج، وقول الزوجة يحتمل أن تكون قد وهمت أو سمعت خطأ، والقاعدة الفقهية تنص على أن: اليقين لا يزول بالشك، فالنكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك الطلاق، أما إذا كانت المرأة متيقنة من الطلاق، فحينئذ حتى لو حكمنا في الظاهر بعدم وقوعه، فإنه لا يجوز لها البقاء معه، ففي مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية صالح: وسألته عن امرأة أدعت أن زوجها طلقها وليس لها بينة وزوجها ينكر ذلك قال أبي: القول قول الزوج إلا أن تكون لا تشك في طلاقه قد سمعته طلقها ثلاثا فإنه لا يسعها المقام معه وتهرب منه وتفتدي بمالها.

د- مسألة توثيق الطلاق من المصالح المرسلة التي ينبغي عدم التهاون بها حفظاً للحقوق.

هـ- الزواج يترتب عليه حقوق والتزامات، ولذلك جعل الشرع له شروطاً، أما الطلاق فلا يترتب عليه مثل ذلك، وإنما هو حل لقيد النكاح، فلا حاجة لهذه الشروط.

و- الطلاق حق للزوج فهو الذي يوقع الطلاق، أما الزوجة فليس لها ذلك، وغاية ما لها إذا رأت من نفسها عدم القدرة على القيام بحقوق الزوج أو كانت متضررة بالبقاء معه أن تطلب من الزوج الطلاق أو تبذل له مال ليطلقها وهو ما يعرف بالخلع، وقد تقدم الكلام على أحكامه في الفتوى رقم: 3875، والفتوى رقم: 13702.

وبهذا تعلم أن الخلع حكم من الأحكام الشرعية وليس فيه تشهير بالزوج.

3- الأحكام الشرعية لا تحتاج إلى تحديث وإنما هي صالحة لكل زمان، فالمحافظة على كيان الأسرة يكون بالالتزام بأحكام الشرع لا بتحديثها أو الخروج عنها.

5- سبق الكلام على طلاق المازح والناسي والغضبان، ولكن ننبهك إلى أن عبارة: الإسلام يحرص على هدم كيان الأسرة، في غاية الخطورة على دين قائلها، ولا ينبغي لمسلم أن ينطق بها، فالإسلام دين الله فكيف ينسب إلى الله ذلك؟

6- المسيحية في بعض مذاهبها تحرم الطلاق إلا في حالة الخيانة، وبعضها يحرم الطلاق تماماً، فهل ترى في ذلك حفاظاً على كيان الأسرة؟ أم أن ذلك من الحرج والكبت والعنت؟ الحق أن الحفاظ على كيان الأسرة لا يكون إلا بما شرعه الإسلام، فتشريع الطلاق في الإسلام من الأحكام التي يظهر فيها للمنصف أن ذلك لا يكون إلا من تشريع الحكيم الخبير... فقد حرم الإسلام على الزوج أن يطلق زوجته حال حيضها أو طهرها الذي جامعها فيه، وذلك غالب أحوال الزوجة، فإذا أراد الزوج الطلاق فإن كان ذلك لعارض من غضب أو نحوه، فإن انتظاره حتى تكون زوجته في الحال التي يجوز فيها الطلاق، كفيل بأن يعيده إلى صوابه، ثم إن حدث وطلق، فإن وجود زوجته معه في بيته فترة العدة، كفيل بأن يحمل الزوج أن يراجع نفسه مرراً، فإن أصر على الطلاق حتى انتهت العدة فلا شك أن هذا القرار لم يكن وليد انفعال، وإنما هو نتيجة استحالة العشرة بينهما، ولا شك أن المقارنة بين نظام الطلاق في الإسلام وغيره، مقارنة خاطئة، قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50}، نسأل الله لنا ولك الهداية والرشاد.

والله أعلم.

www.islamweb.net