الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمعتبرُ في دخول الشهور الهجرية ثبوت رؤية الهلال بشهادة العدول، ولا مدخل للحساب الفلكي في إثباتِ دخول الشهر من عدمه، ودلائل ذلك كثيرة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: لا تصوموا حتّى تروه، ولا تفطروا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم، فاقدروا له. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته. متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا. رواه البخاري.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلة من جعل دخول الشهر مبنيا على ثبوت الرؤية دون الحساب، لما فيه من التيسير على المكلفين، فهذه الشريعة سمحة جاءت للحضري والبدوي، والعالم والجاهل، فلا بد من أن تكونَ طرق معرفة الأحكام الشرعية في متناول كل أحد، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إنّا أمّة أميّة، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين. رواه البخاري من حديث ابن عمر.
وقد تكاثرت نصوص العلماء الدالة على أن إجماع السلف هو ترك العمل بالحساب، وغلطوا من قال بخلاف ذلك.
فقد ذكر الصنعاني قول الباجي في الرد على من قال: إنّه يجوز للحاسب والمنّجم وغيرهما الصوم والإفطار اعتماداً على النجوم، إنّ إجماع السلف حجّة عليهم. انتهى
وقال إبن رشد: إنّ العلماء أجمعوا على أنّ الشهر العربي يكون تسعاً وعشرين، ويكون ثلاثين، وعلى أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان إنّما هو الرؤية... واختلفوا في الحكم إذا غمّ الشهر. انتهى.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: فإنّا نعلم بالإضطرار من دين الإسلام، أنّ العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدّة أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب، أنّه يرى أو لا يرى، لا يجوز ، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً، ولا خلاف حديث، إلاّ أنّ بعض المتأخرين من المتفقّهة الحادثين بعد المائة الثالثة، زعم أنّه إذا غمّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا ، وهذا القول وان كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب، فهو شاذ، مسبوق بالإجماع على خلافه، فأمّا اتباع ذلك في الصحو، أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم. الفتاوى لابن تيمية. انتهى.
ومن نقل عن مطرف بن عبد الله تجويز العمل بالحساب لم يصب ،فالنقل عنه غير صحيح، وقد أطنب ابن عبد البر في التمهيد ومن بعده الحافظ في الفتح في تقرير هذه المسألة بما يُراجع منهما.
والخلاصة : أنه لا اعتداد بأقوال الفلكيين وآرائهم في ثبوت دخول الشهر من عدمه، وأن المعتبر في ذلك هو الرؤية الشرعية ، فمتى شهد العدول برؤية الهلال وجب الصوم والفطر، فإذا كان شهر شوال قد ثبت في البلد التي أنتِ فيه ثبوتاً شرعياً فلا يقول أحدٌ من العلماء بأنه يلزمك القضاء بسبب قول بعض الفلكيين، بل من قال بهذا فقد أبعد النُجعة ، وعليه فقضاء هذا اليوم غيرُ واجبٍ عليكِ ولا مشروعٍ في حقك.
وأما كونكِ اقتنعتِ بخطأ الرؤية الشرعية فاعلمي أن اقتناعكِ ليس حجةً على الشرع ، بل يجبُ عليكِ أن تجعلِي قناعتكِ موافقةً لما دلت عليه النصوص، ولو سلمنا جدلاً أن الرؤية كانت خطأ في نفس الأمر فلا يضرُ هذا شيئا لما ثبت عند أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون.
والله أعلم.