الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهب جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة وغيرهم أن المدة المبيحة للترخص برخص السفر من القصر والجمع والفطر والمسح على الخف ثلاثاً لمن نوى الإقامة في بلدٍ هي ما دون أربعة أيام، وضبطها الإمام أحمد بعشرين صلاةً، وهذه المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة جازماً بأنه يقيمها، فإنه دخلها يوم الرابع من ذي الحجة قبل صلاة الظهر وخرجَ منها إلى منى اليوم الثامن قبل صلاة الظهر، فصلى بمكةَ عشرين صلاة.
وعليه؛ فمن نوى الإقامة ببلدٍ أكثرَ من هذه المدة فإنه لا يقصر ولا يجمع، لأن الأصل فيمن أقام ببلدٍ أنه مقيم، واستثنيت المدة المذكورة بدلالة فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيبقى ما عداها على الأصل، وهذا هو ما رجحه الشوكاني في شرح المنتقى.
وأما من نوى أن يقيم أقل من أربعة أيام أو كان لم يحدد وقت خروجه، فهو يقول اليوم أخرج غداً أخرج، فإن له القصرَ والجمع وإن أقام سنين ما دام لم يجزم بنية الإقامة أربعة أيام، ومن العلماء من يرى أنه يقصرُ وإن نوى الإقامة مدة طويلة مالم يصر مستوطنا. ولا نعلم قائلاً بهذا من السلف، فإنهم اتفقوا على تحديد مدة ينقطعُ بعدها حكم السفر، وإن اختلفوا في ضبطها، والآثارُ التي تدلُ على خلافِ هذا محمولةٌ على ما ذكرناه على التردد في الإقامة وعدم الجزم بها، وبهذا التقرير تعلمُ أنك إذا كنت تقيمُ بالبلد الذي تسافر إليه أربعة أيام فليس لك الجمع والقصر، وأما إن كنت تقيم أقل من أربعة أيام أو كنت متردداً في الإقامة غير جازما بمدتها فالقصرُ والجمع جائزان لك. وانظر الفتوى رقم: 558 .
والله أعلم.