الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد تجسست على أختك حتى قرأت هذه الرسالة وأخذتها فقد ارتكبت فعلاً محرماً، لأن التجسس حرام حتى في حق الأقارب، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12}، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات المسلمين، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وقال الألباني: حسن صحيح.. وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فما كان لك أن تتبعي عورات أختك، ولا أن تتجسسي على رسائلها بدون إذن منها، والواجب عليك هو المسارعة بالتوبة إلى الله جل وعلا من هذا الذنب، ثم استسماح أختك مما حدث منك من اطلاع على خصوصياتها، إلا إذا خفت أن تفسد العلاقة بينكما إن هي علمت ذلك، عند ذلك لا يلزمك استسماحها واكتفي بالتوبة النصوح إلى الله سبحانه..
وأما إن كانت هذه الرسالة قد وقعت في يدك قدراً دون تجسس منك ولا تحسس فعلمت ما فيها فأخذتها بناء على ذلك، فنرجو ألا يلحقك حرج من هذا، لأن هذا داخل في إنكار المنكر، وقد نص العلماء على أن من إنكار المنكر إتلاف أعيان المنكرات، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعاً لها مثل الأصنام المعبودة من دون الله لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجراً أو خشباً ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها، وكذلك آلات الملاهي مثل الطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء وهو مذهب مالك وأشهر الروايتين عن أحمد، ومثل ذلك أوعية الخمر يجوز تكسيرها وتخريقها والحانوت الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه وقد نص أحمد على ذلك هو وغيره من المالكية وغيرهم واتبعوا ما ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أمر بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي وقال إنما أنت فويسق لا رويشد. وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أمر بتحريق قرية كان يباع فيه الخمر رواه أبو عبيدة وغيره وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية وهذا أيضاً على المشهور من مذهب أحمد ومالك وغيرهما، ومما يشبه ذلك ما فعله عمر بن الخطاب حيث رأى رجلاً قد شاب اللبن بالماء المبيع فأراقه عليه وهذا ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبذلك أفتى طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشاب اللبن بالماء للبيع وذلك بخلاف شوبه للشرب لأنه إذا خلط لم يعرف المشتري مقدار اللبن من الماء فأتلفه عمر. ونظيره ما أفتى به طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل في جواز إتلاف المغشوشات في الصناعات مثل الثياب التي نسجت نسجاً رديئاً أنه يجوز تمزيقها وتحريقها، ولذلك لما رأى عمر بن الخطاب على ابن الزبير ثوباً من حرير مزقه عليه فقال الزبير: أفزعت الصبي، فقال: لا تكسوهم الحرير. وكذلك تحريق عبد الله بن عمر لثوبه المعصفر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وعليك في كل الأحوال بذل النصيحة لأختك بأن مثل هذه العلاقات مع الأجانب محرمة، وأن عواقبها وخيمة، وأنها ذريعة للشرور التي تفسد الدين وتضيع الدنيا وتجلب الفضيحة والعار.. وللفائدة تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 61242، 5707.
والله أعلم.