نصح الأب تارك الصلاة ومرتكب الفواحش مطلوب

4-12-2008 | إسلام ويب

السؤال:
فليس أمر و لا أنكى من أن يشتكي الولد أباه و لكن هي الحياة تأبى إلا أن ترينا العجائب و تنزل علينا المصائب و إلى الله المشتكى، يشهد الله يا شيخ أنني لم أعق والديّ و لم أقل لهما حتى أف ولم أنهرهما ونظرا لحالتنا المادية المتواضعة فقد حرصت على عدم إثقال كاهلهما بالمصاريف واكتفيت بالقليل و قنعت بما هو موجود إرضاء لهما وحرصا على أن أكون ولدا صالحا يسعى لخير والديه قبل خير نفسه، من أجل ذلك حرمت نفسي من عديد المباهج والأشياء وحرصت على التفوق دراسيا وهو ما تم بإذن الله وحمده. ومضت بنا الأيام على هذا النحو إلى أن نهضت ذات يوم على كابوس أسقط أحلامي في الماء وجعلني أكره الحياة وأحتقر جميع الناس فقد اكتشفت ذات يوم تورط والدي في علاقات مشبوهة مع امرأة, خيانة حقيرة و دنيئة زادتها نذالة أنني اكتشفت تعدد النساء التي يقيم معهن علاقات مشبوهة وهنا تهاوت صورة الأبوة من أمامي و تهشمت على نار الخيانة فقد قابل والدي تضحياتي بنكران الجميل وبخله علي وعلى أمي وإخوتي بالمال بإنفاقه على النساء العاهرات وغير ذلك من المخازي التي إن تبد لكم تسؤكم. و لأنه من كان في الضلالة فسيمدد له الرحمان مدا ويزيد من الله بعدا فقد انقطع هذا الرجل الذي أستنكف أن أسميه أبي عن الصلاة و تدهورت أموره المادية فاضطررت للانقطاع عن الدراسة و لم أكمل الماجستير و دخلت ميدان العمل لأنفق على أمي إن احتاجت، أريد أن أسأل فضيلتكم هل مقاطعتي لهذا الرجل عقوق؟ أو ليس ما أتاه هو هو العقوق عينه؟ كيف أتعامل معه وفي نفسي احتقار له وكره شديد و كل من خان هان وذلك جزاء الظالمين؟ ألم يأمرنا الله بالإعراض عن من تولى عن ذكره ولو كان ذا قربى أو إخواننا أو عشيرتنا؟ نبئوني بعلم يا شيخ؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

لقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، ومن أقرب السبل الموصلة إلى رضاه، فجزاك الله خير الجزاء على حرصك على بر والديك، وإحسانك إليهما، والإنفاق عليهما، وإيثار ذلك على حظوظ نفسك، فأبشر ببركة هذا العمل في الدنيا والآخرة، إن كنت قصدت به وجه الله، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، أما عن والدك –نسأل الله أن يهديه- فما ذكرته عنه من اقتراف الفاحشة إن كنت متيقناً من ذلك فهو منكر كبير وسلوك مشين، وأكبر منه تركه للصلاة، فإن الصلاة أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، وقد عدّ بعض العلماء تركها كفراً أكبر مخرجاً من الملة، لكن هذا لا يبيح لك مقاطعة والدك أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك. قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14}

فبرك بأبيك ليس مرهوناً بصلاحه، أو عرفانه بجميلك، وإنما هو استجابة لأمر الله ورجاء ثوابه بشرط أن يكون ذلك خالصاً لوجهه تعالى، واعلم أنه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه، فإنه إذا تاب توبة صادقة، تاب الله عليه، وينبغي للمؤمن أن ينظر إلى أصحاب المعاصي نظرة شفقة، ويستشعر نعمة الله عليه في معافاته من الوقوع في مثل ذلك ، فإن عصمة العبد من الوقوع في المعاصي محض فضل من الله تعالى.

 قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21} وقال تعالى: وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {الحجرات:8،7}

فينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية والتوبة، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر، وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية.

 قال ابن القيم في طريق الهجرتين في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. انتهى.  

فإذا كان ذلك مع عامة الناس فهو بلا شك مع الوالد أولى، فعليك أن تنصحه بالرفق، وتستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه، ولا تدخر وسعاً في كل ما يذكره بالله ويخوفه العاقبة ويأخذ بيده إلى طريق الطاعة والهداية، وعليك أن تجتهد في الدعاء له بالهداية.

والله أعلم.

www.islamweb.net