الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الجمع بين الصلاتين في وقت الأولى لا تشترط له النية ولا الموالاة، لأن الجمع معناه جعل وقت الصلاتين وقتاً واحداً، ولأن اشتراط النية والموالاة ينافي الرخصة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أمر بنية الجمع قبل الشروع في الأولى أو في أثنائها عندما جمع بعرفه، وقد بالغ رحمه الله فنسب القول بعدم اشتراط نية القصر والجمع إلى الجمهور، وقال رحمه الله مدللا على مذهبه في عدم اشتراط النية: والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعاً وقصراً لم يكن يأمر أحداً منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع وهذا جمع تقديم وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر. انتهى.
وهذا القول وإن كان وجهاً معتبراً عند الشافعية والحنابلة لكنه ليس قول الجمهور، فالجمهور يشترطون النية عند الإحرام بالأولى أو قبل سلامها كما بيناه في الفتوى التي أشرت إليها، ولا شك أن قول الجمهور أحوط، فإن الرخص تقدر بقدرها، ولكن لا نرى حرجاً من العمل بقول الشيخ إذا دعت إليه الضرورة لما فيه من التيسير ورفع الحرج الذي بنيت عليه الشريعة، ولأنه قوي المأخذ كما رأيت.. ولا تعارض بين هذا وبين ما قررناه من قبل، فإن ما قررناه من قبلُ يمكن أن يحمل على حال السعة، وعدم الضرورة، وأما جمع صاحب السلس للعذر فالجمهور لا يرون جوازه لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة، ورخص فيه الإمام أحمد رحمه الله كما في الفتوى رقم: 112330.
والله أعلم.