الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن الأم أحق بحضانة ولدها، ما لم يكن بها مانع من موانع الحضانة كالفسق، أو التزوج من أجنبي عن الأولاد، لما روى عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به مالم تنكحي. رواه أبو داود وحسنه الألباني في الإرواء.
لكن إذا أقامت الأم في بلد بعيد عن بلد الأب، فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن ذلك يسقط حقها في الحضانة، وذهب بعضهم إلى أن انتقالها إلى بلدها الذي تم فيه عقد الزواج لا يسقط حقها، قال ابن قدامة الحنبلي: وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما قال شريح و مالك و الشافعي وقال أصحاب الرأي : إن انتقل الأب فالأم احق به، وإن انتقلت الأم إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق، وإن انتقلت إلى غيره فالأب أحق. اهـ من المغني.
وبعض العلماء قد فرق في هذا الحكم بين الرضيع وغيره، جاء في بلغة السالك -مالكي: فإن سافر الولي الحر عن المحضون الحر السفر المذكور سقط حقها من الحضانة ويأخذه وليه معه ولو كان الولد رضيعا على المشهور، وقيل لا يأخذ الرضيع وإنما يؤخذ الولد إذا أثغر، وقيل يأخذه بعد انقطاع الرضاع. اهـ
والذي نراه راجحاً أن هذا الرضيع لا ينزع من أمه ما دام محتاجاً لرعايتها، وذلك للضرر الذي يلحق الرضيع و أمه من نزعه، والظاهر أن الشرع قد راعى في مسألة الحضانة مصلحة الطفل، ولم يرد فيما نعلم نص يمنع حضانة الأم في حال إقامتها بعيداً عن بلد الأب، قال ابن القيم بعد ذكر أقوال العلماء في المسألة: وهذه أقوالٌ كُلها كما ترى لا يقوم عليها دليلٌ يسكن القلبُ إليه، فالصوابُ النظر والاحتياط للطفل في الأصلح له والأنفع مِن الإِقامة أو النقلة، فأيُّهما كان أنفعَ له وأصونَ وأحفظَ، روعي، ولا تأثيرَ لإِقامة ولا نقلة. اهـ من زاد المعاد في هدي خير العباد.
علما بأنه لو افترض سقوط حق الأم في الحضانة، فإن ذلك ينتقل إلى أمها أو أختها أو غيرهما من قرابتها حسب ترتيب استحقاق الحضانة كما بينا في الفتوى رقم: 6256 .
والله أعلم.