الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي للمسلم أن لا يذكر ذنوبه التي قارفها وسترها الله عليه، سواء كان ذكرها على سبيل الافتخار أو على سبيل الاتعاظ، ما لم تدع إلى ذلك حاجة أو مصلحة راجحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه البيهقي والحاكم وصححه ولم يتعقبه الذهبي. وصححه الألباني.
والمجاهرون قال النووي: هُمْ الَّذِينَ جَاهَرُوا بِمَعَاصِيهِمْ وَأَظْهَرُوهَا وَكَشَفُوا مَا سَتَرَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ , فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَة وَلَا حَاجَة. انتهى.
والذي نراه أن التماس العبرة متيسر دون فضيحة النفس، بأن يذكر موضع العبرة والعظة دون أن يسمي نفسه، فيجمع بذلك بين المصلحتين.
جاء في الموسوعة الفقهية: يندب للمسلم إذا وقعت منه هفوة أو زلة أن يستر على نفسه ويتوب بينه وبين الله عز وجل وأن لا يرفع أمره إلى السلطان، ولا يكشفه لأحد كائنا ما كان؛ لأن هذا من إشاعة الفاحشة التي توعد فاعلها بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور: 19}. ولأنه هتك لستر الله سبحانه وتعالى، ومجاهرة بالمعصية.
ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18932، 7518، 109352.
وكذلك ينبغي لمن يتولى الوعظ والإرشاد ألا يسمي مسلما باسمه ويخبر بما كان عنده من معاصٍ وأخطاء، ولو كان ذلك للعظة والعبرة، إلا إذا كانت هناك مصلحة راجحة في تسمية الشخص. وذلك أن الستر مطلوب شرعا، جاء في الموسوعة الفقهية : أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب أو ذنب أو فجور لمؤمن من ذوي الهيئات أو نحوهم ممن لم يعرف بالشر والأذى ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعيا إليه، كأن يشرب مسكرا أو يزني أو يفجر متخوفا متخفيا غير متهتك ولا مجاهر يندب له أن يستره، ولا يكشفه للعامة أو الخاصة، ولا للحاكم أو غير الحاكم، للأحاديث الكثيرة التي وردت في الحث على ستر عورة المسلم والحذر من تتبع زلاته.
والله أعلم.