الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا لا نعلم حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ولكنه كلام لبعض السلف، ولا شك أن السلطان مع جوره خير من فقده، فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى: يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم. رواه أبو داود.
فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي (إن السلطان ظل الله في الأرض) ويقال (ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان) والتجربة تبين ذلك ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان..
فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها، وقد روى كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه. قال الترمذي حديث حسن صحيح. فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه... انتهى.
وقال في موضع آخر: والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ورجحت خير الخيرين بتفويت أدناهما، وهذا من فوائد نصب ولاة الأمور ولو كان على ما يظنه الجاهل لكان وجود السلطان كعدمه، وهذا لا يقوله عاقل فضلاً عن أن يقوله مسلم، بل قد قال العقلاء: ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان. وما أحسن قول عبد الله بن المبارك:
لولا الأئمة لم يأمن لنا سبل * وكان أضعفنا نهبا لأقوانا . اهـ
والله أعلم.