الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكلام الشيخ رحمه الله صحيح، ولكن فهمك له غير مطابق، فإن الشيخ إنما أراد عمال المزارع التي تكون خارج البلد، أما من كان داخل البلد فلا رخصة له في ترك الجمعة، وكيف غفلت عن قوله في الفتوى. (وهم خارج البلد).
قال الخرقي: وتجب الجمعة على من بينه وبين الجامع فرسخ. انتهى. قال شارحه الموفق: هذا في حق غير أهل المصر، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة، بعدوا أو قربوا، قال أحمد: أما أهل المصر فلا بد لهم من شهودها، سمعوا النداء أو لم يسمعوا، وذلك لأن البلد الواحد بني للجمعة، فلا فرق بين القريب والبعيد، ولأن المصر لا يكاد يكون أكثر من فرسخ، فهو في مظنة القرب، فاعتبر ذلك. وهذا قول أصحاب الرأي، ونحوه قول الشافعي. انتهى.
وإنما قيد الحنابلة الوجوب بالفرسخ لأنه المسافة التي يصل فيها صوت المؤذن الصيت فوق المكان العالي مع عدم وجود العوارض، وقيد العلماء الوجوب على من كان خارج المصر بسماع النداء وهو ما اختاره الشيخ في الفتوى التي ذكرتها، ونسبه ابن قدامة إلى الشافعي، وعلى كلٍ فالأمر قريب، وأما أهل المصر فإن الجمعة لازمه لهم مهما تباعدت المسافة بين طرفيه.
قال العلامة العثيمين في الشرح الممتع بعد أن أشار إلى قول من قال إن الجمعة لا تلزمُ أهل المصر إذا فصلت بين أحيائه المزارع: ولكن الصحيح أنه ما دام يشمله اسم واحد فهو بلد واحد، ولو فرض أن هذا البلد اتسع وصار بين أطرافه أميال أو فراسخ فهو وطن واحد تلزم الجمعة من بأقصاه الشرقي كما تلزم من بأقصاه الغربي، وهكذا الشمال والجنوب، لأنه بلد واحد. قوله "ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ" هذا الشرط السادس أي: ليس بين الإنسان وبين المسجد أكثر من فرسخ، والفرسخ سبق لنا: أنه ثلاثة أميال، والميل: اثنا عشر ألف ذراع، فعلى هذا لا يلزم الشخص الذي يكون بينه وبين البلد أكثر من فرسخ جمعة، هذا إذا كان خارج البلد، أما إذا كان البلد واحداً فإنه يلزمه، ولو كان بينه وبين المسجد فراسخ. انتهى.
وبهذا الذي ذكرناه ظهر لك كل الظهور أن ما استنتجته من كلام الشيخ غير صحيح البتة ولا يدلُ عليه كلامه بوجه، وأما نحن فنوافقه على ما ذهب إليه رحمه الله.
والله أعلم.