الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ارتكبتَ إثماً عظيماً بتأخير أداء الزكاة كل هذه السنوات، ولعل سبب الديون التي تراكمت عليك والضوائق المادية التي تعانيها هو شؤم تضييع الزكاة، فقد روي: ما خالطت الصدقةُ مالاً إلا أفسدته. فالزكاةُ تزكي المال وتنميه، وتضييعها ينقصه ويمحقُ بركته، فالواجبُ عليكَ الآن أن يعتصر قلبك ندماً على هذه الجناية الهائلة.
ثم عليكَ أن تحسبَ اليوم الذي بلغ مالك فيه نصاباً بالتاريخ الهجري لا الميلادي، وقد بينا مقدار النصاب في الفتوى رقم:3082.
فعليكَ أن تراجع حساباتك مراجعةً دقيقة فتحسب ما كان عندك من مالٍ على رأس كل حول هجري ثم تعرف قدر الزكاة الواجبة عليكَ فيه وهو 2,5% من مجموع المال الذي تجبُ فيه الزكاة وهي الأوراق النقدية التي تملكها، وعروض التجارة مُقومةً بسعر الجملة الذي تُباعُ به عند الحاجة، تفعلُ ذلك في كل سنة، ومجموع الناتج هو الواجب عليكَ إخراجه ، فإن عجزت عن الوصول إلى اليقين في ذلك فاعمل بالتحري حتى يحصلُ لك غلبة الظن بأنك أبرأت ذمتك وقضيتَ ما عليك. وانظر الفتوى رقم: 21769، والفتوى رقم: 44533.
واعلم أن أداء هذا الدين أي ما ثبت في ذمتك من زكوات السنين الماضية هو دينٌ لله عز وجل عليك وهو واجبٌ على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم: فدينُ الله أحق أن يُقضى. متفقٌ عليه، فلا يجوزُ لكَ تأخيره ولا التراخي في أدائه مع القدرة، فإن عجزتَ عجزا حقيقيا عن أدائه كله الآن فيجبُ عليك أداء ما تستطيع أداؤه منه والباقي دينٌ مستقر في ذمتك لا تبرأ إلا بدفعه إلى مستحقيه.
وأما المال الذي دفعته إلى أخيك فلا يجزئك عن الزكاة لافتقاره إلى شرط النية. وانظر الفتوى رقم: 25273.
وإذا حال الحول وعليك دين فإن كان هذا الدين قد استقر في ذمتك قبل وجوب الزكاة عليك فإنك تخصمه مما بيدك من مال عند الجمهور، ولا تخصمه في جديد قولي الشافعي، فإذا كان ما عندك نصاباً بعد خصم الدين فالزكاةُ واجبةٌ عليك، والأحوط أن يُزكى جميع المال وألا يُخصمَ منه الدين وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 113837، والفتوى رقم: 111959.
وأما الدين الذي استقر في ذمتك بعد وجوب الزكاة عليك فإنه لا يخصم من الزكاة لأنها وجبت قبل استقراره في الذمة فلا تسقط به.
والله أعلم.