الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعشق الأجنبية حرام وهو -والعياذ بالله- باب عظيم لفساد القلب وصده عن ذكر الله وعن الصلاة، بل إن قلوب العشاق هي أبعد القلوب من الله جل وعلا.
قال ابن القيم رحمه الله: فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور، وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات من كل ناحية فإن الشيطان يتولاه ومن تولاه عدوه واستولى عليه لم يأله وبالاً ولم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلا أوصله. انتهى.
ولا يقتصر ضرر العشق على إفساد الدين بل إذا تمادى فإنه يغتال العقل ويضيع الذهن ويفسد سائر مصالح الدنيا.
قال ابن القيم: فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله وعشق الصور أعظم شيئاً تشعيثاً وتشتيتاً له، وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع. انتهى.
وقال أيضاً: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوي سلطانه أفسد الذهن وأحدث الوساوس وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها بل بعضها يشاهد بالعيان وأشرف ما في الإنسان عقله وبه يتميز عن سائر الحيوانات فإذا عدم عقله التحق بالبهائم بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله وهل أذهب عقل مجنون ليلى وأضرابه إلا العشق وربما زاد جنونه على جنون غيره. انتهى.
ولا يزال الشيطان بالعاشق يغويه ويغريه ويزين له الشر حتى يوقعه في الشرك بالله جل وعلا، وهذا نوع خفي من أنواع الشرك قد لا يتفطن له كثير من الناس وقد حذر العلماء رحمهم الله من هذا النوع من الشرك.
قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: وهو -أي العشق- تارة يكون كفراً لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه فهذا عشق لا يغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك والله لا يغفر أن يشرك به وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه على حق ربه وآثر رضاه على رضاه وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده واستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته فتأمل حال أكثر عشاق الصور هل تجدها مطابقة لذلك ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزناً يرضي الله ورسوله ويطابق العدل وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه. انتهى.
فسارع رحمك الله بالخروج من هذا المستنقع الآسن وأقبل على مولاك سبحانه، وسله أن يشفيك ويعافيك من هذا الداء العضال، واستعن على ذلك بكثرة الصلاة والذكر فإنهما حرز للمرء أيما حرز من مقارفة الفواحش والمنكرات، قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45}.
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر. قال: ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث أن يحيى بن زكريا قال لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيراً ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره فأتى حصنا حصيناً فأحرز نفسه فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
أما بخصوص ما تسأل عليه من كذب عشيقتك فلا تشغل نفسك به ولا عليك إن كانت صادقة أو كاذبة، فإنك ما أرسلت عليها حفيظاً ولا وكيلاً، ولا كلفك ربك بذلك وإنما كلفك بترك المعاصي ومنها الخلوة بالأجنبية والتعلق بها والنظر إليها.. نسأل الله أن يجمع قلبك وعقلك على طاعته ومرضاته.
والله أعلم.