الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أيها السائل الكريم أن علم الغيب نوعان: غيب مطلق لا يعلمه إلا الله كعلم وقت قيام الساعة، وغيب نسبي قد يطلع الله بعض عباده عليه، وأما الرؤيا الصالحة فهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين، والإلهامات الإلهية تحصل لمن كان مستقيم الظاهر والباطن على شرع الله تعالى، وهناك الإيحاءات الشيطانية التي تحصل لأولياء الشيطان من المبتدعة والمنحرفين عن شرع الله.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال المهلب: فالناس على هذا ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.. والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.. ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث.. وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب. وأما الكافر، والفاسق، والمخلط: فلا، ولو صدقت رؤياهم أحياناً، فذاك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل حديث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. انتهى.
فمن الوارد أن يرى الكافر والفاسق رؤيا صادقة، ولكن الرؤيا الصادقة ليست وحدها دليلاً على الولاية والصلاح، فطريق الولاية في الكتاب والسنة هو المحافظة على الفرائض والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين بلباس التقوى، لأن الكافر قد يرى رؤيا صادقة كما في قصة صاحبي السجن الذين سألا يوسف عليه السلام عن رؤياهما فعبرها لهما، وكما في قصة ملك مصر الذي رأى رؤيا وعبرها له يوسف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يتبع إلا أن يكون موافقاً لأمر الله ورسوله، ومن رأى من رجل مكاشفة أو تأثيراً فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال، فإن الدجال يقول للسماء: أمطري فتمطر، ويقول للأرض أنبتي فتنبت، ويقول للخربة أخرجي كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلا ثم يأمره أن يقوم فيقوم، وهو مع هذا كافر ملعون عدو لله، ... وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجال كذابون، كلهم يزعم أنه رسول الله. وقال صلى الله عليه وسلم: يكون بين يدي الساعة كذابون دجالون، يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم. هؤلاء تنزل عليهم الشياطين وتوحي إليهم، كما قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ... ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية كان بمنزلة من سوى بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب، فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه.. والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه. حيث قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً. انتهى.. وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4445، 5416، 8138، 69832، 78699، 78900.
فننصحك بالاجتهاد في نصح صديقك، وبيان أنه لا تخلو غالباً فرقة من فرق الصوفية اليوم من انحراف في العقيدة، وزيغ عن الحق، ومخالفة للهدي، فتكثر فيهم الشركيات كدعاء غير الله، والاستغاثة بالأموات، واعتقاد النفع والضر فيمن يسمونهم أولياء، وكل هذه الأمور شرك أكبر يخرج معتقده عن الملة، ويمكنك الاستفادة من الفتوى رقم: 102883 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.