الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن النصوص تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام لا يعلمان متى تقوم الساعة، وهذا يعلم برد ما ليس واضحاً في الدلالة على ذلك من النصوص إلى ما هو واضح الدلالة على نفي علمهما بذلك..
فمن ذلك ما في الحديث أنه قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله، إن الله عنده علم الساعة.. رواه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر في الفتح: قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث....وقال ابن مسعود: أوتي نبيكم علم كل شيء سوى هذه الخمس.. انتهى.
ويدل لهذا عموم الآيات المفيدة لاستثناء الله تعالى بعلمها مثل قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا {النازعات:42}. وقوله تعالى: إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا {النازعات:44}.
وأما ادعاء كون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يقسم الأرزاق بين العباد استناداً لحديث الصحيحين: إنما أنا قاسم والله يعطي، فهو مردود لكون الحديث وارداً في قسم الغنائم بين المسلمين فيتولى النبي صلى الله عليه وسلم قسمتها كما أمره الله تعالى، وليس معنى الحديث أنه وهو الذي يقسم الأرزاق بين الناس، كما قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32}.
وقال النووي في شرح هذا الحديث: معناه أن المعطي حقيقة هو الله تعالى ولست أنا معطياً وإنما أنا خازن على ما عندي ثم أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به، فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره والإنسان مصرف مربوب. انتهى.
ويدل لهذا الأمر عموم الأدلة الواردة في توحيد الربوبية المثبتتة لربوبية الله تعالى وأنه الرازق المعطي النافع، مثل قوله تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... {سبأ:24}، وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ {الروم:40}.
وأما دعواه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يملي القرآن على جبريل فهو كلام ساقط لا يحتاج لجواب لمناقضته لقوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ {النحل:102}.
وبناء على هذا يعلم أن دعاوى هذا الرجل باطلة مردودة بنصوص الشرع، والمنكر لما دلت عليه النصوص بعد بيان الحجج من نصوص الوحي يكفر إذا كذب تلك النصوص، ولكن تكفير المعين يحتاج لضوابط سبق أن ذكرناها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 721، 44772، 4132، 14489.
فإذا كنتم ناقشتم هذا الرجل وبينتم له خطأه بالكتاب والسنة وقامت عليه الحجة وأصر على المعتقدات المذكورة فإنه يكفر لما عنده من الانحراف في الربوبية والرسالة.
وأما الصلاة خلفه فعليكم بالبعد عنها دائماً فهو أقل أحواله أن يكون مبتدعاً، وقد بينا تفصيل القول في الصلاة خلف المبتدعة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6742، 48361، 24730، 35398، 64740.
والله أعلم.