الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن رؤيه الله ورؤية الأنبياء في المنام تحصل لكثير من المؤمنين، فقد ذكر النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض أنه قال: اتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها. ...انتهى.
وذكر البغوي في كتابه شرح السنة عن شيخه الإمام أنه قال: رؤية الله في المنام جائزة، فإن رآه فوعد له جنة أو مغفرة أو نجاة من النار فقوله حق ووعده صدق. وإن رآه ينظر إليه فهو رحمته، وإن رآه معرضًا عنه فهو تحذير من الذنوب لقوله سبحانه وتعالى: أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وإن أعطاه شيئًا من متاع الدنيا فأخذه فهو بلاء ومحن وأسقام تصيب بدنه يعظم بها أجره لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة وحسن العاقبة. انتهى.
ويحكى عن الامام أحمد انه رأى الله تعالى مرات كثيرة.
وأما رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن حصولها لأي مسلم، وهي رؤيا حق لمن رآه على صفته التي ذكرها من وصفوه من أصحابه رضوان الله عليهم، وهي موجودة في كتب الشمائل والسير، ففي الحديث: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي . رواه مسلم .
وفي رواية البخاري: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي، قال أبو عبد الله قال ابن سيرين إذا رآه في صورته. انتهى.
قال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي
ولا ينافي هذا كون النبوة قد انقطعت فان الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، رواه البخاري ومسلم.
وقال: إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. رواه مسلم.
ثم إنا ننبه إلى أن الرؤيا تسر المؤمن ولكنه لا يعتمد عليها فان تضمنت كلاما فلا بد من عرضه على الشرع فإن قبله فلا حرج فيه، وإلا فإنه مردود، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 36380.
وقد ذكر الزرقاني في شرح الموطأ: أن رجلا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: اذهب إلى موضع كذا فاحفره فإن فيه ركازا فخذه لك ولا خمس عليك فيه، فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع فحفره فوجد الركاز فيه فاستفتى علماء عصره فأفتوه بأنه لا خمس عليه لصحة الرؤيا، وأفتى العز بن عبد السلام بأن عليه الخمس، وقال: أكثر ما ينزل منامه منزلة حديث روي بإسناد صحيح، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو حديث في الركاز الخمس. انتهى.
وبناء عليه فلا مانع من صدق رؤياك لله وللأنبياء ورؤية منزلك في الجنة والإكثار من الدعاء بيا ذا الجلال والاكرام، وأما الاصطفاء فلا يمكن الجزم به ولا سيما اذا كان بالعبارات التي قالها الله لكليمه موسى عليه السلام فيخشى أن يكون من وحي الشياطين، ومثل ذلك ما يوهم الوحي إليك فإن الوحي قد انقطع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم نفهم ما تقصدينه من الجلسة الجبريلية.
هذا ويتعين على المسلم أن يشتغل بالعلم الشرعي ودراسة نصوص الوحيين ليتعرف على صفات الله تعالى وأحكامه وأوامره ووعده ووعيده
فقد سئل الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: هل يرى الله في المنام؟
فقال : إن الله سبحانه وتعالى يعلم بما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم, فالقرآن كلام الله كأنما يخاطبك الله به, هذا يكفيك عن رؤية الله.... أما رؤيته في المنام فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام كما في حديث اختصام الملأ الأعلى, أما غير الرسول فذكر عن الإمام أحمد أنه رأى ربه والله أعلم هل يصح هذا أم لا يصح؟ لكن نحن لسنا في حاجة في الهداية إلى رؤية الله عز وجل, حاجتنا أن نقرأ كلامه ونعمل بما فيه, وكأنما يخاطبنا, ولهذا ذكر الله أنه أنزل الكتاب على محمد وأنزله إلينا أيضا حتى نعمل به, ولا تشغل نفسك بهذه الأمور, فإنك لن تصل إلى نتيجة مرضية, عليك بالكتاب والسنة والعمل بما فيهما. انتهى.
والله أعلم.