الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالفراسة أمر موجود ومعروف، قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ {الحجر: 75}
وكذلك الكرامات أمر لا ينكر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات. اهـ. ولكن السؤال المهم من هم أهل الفراسة الإيمانية؟ ومن هم أصحاب الكرامات الرحمانية.
أما الفراسة الإيمانية، فيقول ابن القيم في (مدارج السالكين): حقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده.. وسببها: نور يقذفه الله في قلب عبده، يفرق به بين الحق والباطل، والحالي والعاطل، والصادق والكاذب. اهـ.
وذكر ابن القيم النوع الثاني من الفراسة، وهي فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي، وقال: النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية، وكثير من الجهال يغتر بها، وللرهبان فيها وقائع معلومة، وهي فراسة لا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم. اهـ.
وكذلك الحال في خوارق العادات، منها ما هو كرامات رحمانية، ومنها ما هو أحوال شيطانية، فالخوارق لا تميز كافرا عن مسلم، فضلا عن طائع على عاص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله، وإلا كان من متاع الحياة الدنيا. وقد يحصل ذلك للكفار من المشركين وأهل الكتاب. اهـ.
وقال: تجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت؛ أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا؛ أو يملأ إبريقا من الهواء؛ أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحيانا عن أعين الناس؛ أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته؛ أو يخبر الناس بما سرق لهم؛ أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك من الأمور؛ وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله؛ بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه. وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور؛ وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله، فقد يكون عدوا لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين. فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله؛ بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة. اهـ.
ومن هنا يعلم السائل الجواب عن سؤاله: (كيف أعرف أن هذه كرامة من عند الله، أو هي استدراج وإغواء من شيطان؟) حيث ذكر عن نفسه أنه متقطع في الصلاة، ومقترف لبعض المعاصي كسماع الغناء والتلفظ بكلمات غير لائقة!
ولذلك ننصح السائل بضرورة طرح التفكير في هذه الأشياء، وعدم الاستجابة لها أو الاهتمام بها. كما ننصحه بتقوى الله والإقبال على العلم الشرعي الذي يبصر به الحق من الباطل، ويفرق به بين الرشد من الغي، وأن يستقيم على طاعة الله تعالى، فأعظم الكرامة لزوم الاستقامة.
كما نحذره من مغبة ادعاء علم الغيب حيث يقول عن نفسه: استطعت أن أجعلها إرادية بل وأستطيع أن أعرف ماذا يحدث لغيري إذا أردت، وقد قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65} وقال صلى الله عليه وسلم: مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله. رواه البخاري. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62340، 95435، 15284.
والله أعلم.