الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان مقصودك بنذرالسكنى بالمدينة التقرب إلى الله بالمجاورة بها فهذا من نذر التبرر والطاعة، فيلزمك الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه. أخرجه البخاري، والراجح أن التقرب إلى الله بالمجاورة بمكة والمدينة مشروع.
قال النووي في المجموع: اختلف العلماء في المجاورة بمكة والمدينة؛ فقال أبو حنيفة وطائفة: تكره المجاورة بمكة، وقال أحمد وآخرون: تستحب، وسبب الكراهة عند من كره خوف الملك وقلة الحرمة للأنس وخوف ملابسة الذنوب، فان الذنب فيها أقبح منه في غيرها، كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها. ودليل من استحبها أنه يتيسر فيها من الطاعات ما لا يحصل في غيرها من الطواف وتضعيف الصلوات والحسنات وغير ذلك. والمختار أن المجاورة مستحبة بمكة والمدينة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في الأمور المذمومة أو بعضها، وقد جاور بهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة وخلفها ممن يقتدى به. انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله: نذر المباح كلبس الثوب وركوب الدابة فهذا يتخير الناذر فيه بين فعله فيبر بذلك، وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين. انتهى.
وعند الجمهور أن نذر المباح لا ينعقد. وانظر الفتوى رقم: 113579، والفتوى رقم: 16155. فإن قلنا بانعقاده ولزوم الوفاء به لكونه نذر قربة، فقد اختلف العلماء في الوفاء به هل هو على الفور أو على التراخي، فالجمهور أنه على التراخي، وذكر في الإنصاف أن أحمد نص على أن الوفاء بالنذر يجب على الفور وهو قول الشافعية، وقد رجحنا في الفتوى رقم: 96225 . أن الوفاء به على التراخي.
فإذا كان من نيتك حين النذر أنك تنتقل من العام القادم فإنه يلزمك الانتقال في الوقت الذي نويته، وأما إقامتك بالمدينة شهرا أو شهرين ثم تعود إلى وطنك فلا يكفي لأنك ذكرت أن قصدك هو السكنى هناك وذاك يفيد الإقامة الدائمة وهذا من قبيل الحيل الباطلة في الشرع ، ولكنك إذا عجزت عن الوفاء بنذرك فعليك كفارة يمين.
ولا يجوز لك التأخر عنه لأنك قد عينت له وقتا فيجب الوفاء بالنذر في الوقت المعين. وأما إذا كنت حال النذر مترددا وليست لك نية جازمة في وقت الانتقال فالحكم في هذا ينبني على الخلاف المتقدم ذكره في لزوم الوفاء بالنذر هل هو على الفور أو على التراخي، فإن قلنا هو على الفور لزمك الانتقال مباشرة، وإن قلنا هو على التراخي لم يلزمك.
والله أعلم.