الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أولا أن الواجب على كل مسلم أن يجتهد في تعلم أحكام الدين، وأن من الفروض العينية على كل مسلم أن يتعلم ما تتوقف صحة عبادته عليه، فكان يلزمك أن تتعلمي أحكام الحج قبل الشروع فيه لئلا تقعي فيما وقعت فيه من المخالفات.
ولا ينفعك تعليق خطئك على هؤلاء الشيوخ، فإنه لا تزر وازرة وزر أخري، وإن كان هذا لا يعفيهم من التبعة، ولذا فإننا نكثر من التنبيه على وجوب الاجتهاد في تعلم العلم الشرعي وألا يتلقى العلم إلا من أهله الراسخين فيه، وأما بخصوص ما أفتيناك به من لزوم الدم لكل واجب تركته من واجبات الحج فلا أثر لكونك معذورة في إسقاط الوجوب- لو سلمنا كونك كنت معذورة- وإنما يؤثر العذر في إسقاط الإثم عن المعذور، وذلك لأن الواجب إذا استقر في الذمة لم تبرأ الذمة منه إلا بفعله أو بفعل بدله .والدليل الذي وجب به الدم في ترك واجبات الحج يدل على عدم الفرق بين المعذور وغيره، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما. أخرجه مالك في الموطأ بسند صحيح ،ونص العلماء على أن المعذور وغيره سواء في لزوم الدم، قال في المبدع: ومن ترك واجبا ولو سهوا فعليه دم.
وبهذا تعلمين أن دم ترك الواجبات يلزمك بكل حال،ولكن إذا عجزت عنه فإنك تصومين عشرة أيام عند كثير من الفقهاء قياسا على من عجز عن دم التمتع.
قال ابن قدامة: ويقاس عليه أيضا كل دم وجب لترك واجب كدم القران، وترك الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، والمبيت بمزدلفة، والرمي، والمبيت ليالي منى بها، وطواف الوداع، فالواجب فيه ما استيسر من الهدي فإن لم يجد فصيام عشرة أيام .انتهى.
ورجح الشيخ العثيمين أن من عجز عن دم ترك الواجبات في الحج لم يلزمه شيء، لأن الأصل براءة الذمة فلا تشغل إلا بدليل واضح.
والقول الأول أحوط، وعلى هذا فإن عجزت عن ذبح الدم فعليك صوم عشرة أيام عن كل واجب تركته، كما بينا لك في الفتوى السابقة.
والله أعلم.