الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في هديه وخلقه، وعبادته لربه، هو وصية الله للمؤمنين حيث قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.{الأحزاب:21}.
ولقد كان السلف -رحمهم الله- حريصين على التزام هديه، واقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم، ومن ثّم نَقل ذلك لمن بعدهم ممن لم يره.
ولقد تمثل هذا الجهد في نقل هديه صلى الله عليه وسلم في أمرين اثنين:
الأول: هو الحرص على حكايته في جميع شمائله وطريقة أدائه للعبادات، وممن عرف بذلك ابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وكانا يلقنان ذلك لتلاميذهما، وتتابع التلقين حتى وصلنا.
والثاني: هو تدوين كل ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته، وفي خلقه مع أصحابه وأعدائه، وفي طريقة أدائه للعبادات.
فمن النوع الأول : وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا: الشمائل، كتب العلماء فيه كتبًا ذوات عدد، ومن أشهرها كتاب: الشمائل المحمدية للإمام الترمذي رحمه الله تعالى، وله شروح.
ومن النوع الثاني: وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا: السيرة النبوية. اشتهر كتاب: سيرة ابن هشام. وشُرح واختُصر ونُظم، ومن الكتب المعاصرة التي سارت بها الركبان كتاب: الرحيق المختوم للمباركفوري.
ومن النوع الثالث: وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا: الفقه. دوَّن العلماء كُتُبًا عدة مبنية على ما استقرؤوه من أحاديث الأحكام وغيرها من الأدلة.
وهناك من العلماء من مزج بين الثلاثة الأنواع السابقة في مصنف واحد، ومن هؤلاء الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: زاد المعاد في هدي خير العباد، والذي يُعتبر -بحق- مُدوَّنة في الاتباع.
وكلما زاد حب رسول الله في قلب العبد زاد حرصه على اقتفاء أثره والتزام هديه بقدر المستطاع. وما على المؤمن الحريص إلا أن يكشف عن ساعدي الجد، ويعزم العزمة ويمضي في قراءة الكتب المذكورة وما كان على شاكلتها، ثم يجتهد في التطبيق والامتثال.
مع ملاحظة أن هناك من هديه صلى الله عليه وسلم ما يجب التزامه ويحرم مخالفته، ومنه ما يستحب التزامه وتكره مخالفته، ومنه ما لا يتعلق به طلب ولكن من التزمه رغبة في مجرد الاقتداء وحبًا لموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أُجر على هذا الالتزام الذي لا يلزم، وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم: 24214.
وانظر فضل التمسك بهدي محمد صلى الله عليه وسلم عند هجر الناس له في زمن غربة الإسلام في الفتويين: 58011، 35951.
والله أعلم.