الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن السرقة محرمة تحريما شديدا، والإسراف في الذنوب والمعاصي عموما ضرر كبير على العبد في دنياه وآخرته، ولكن من تاب إلى الله تعالى توبة صادقة مستجمعة لشروطها فإن الله عز وجل وعد بقبول توبته كما قال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39}وكما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طـه:82}
وبما أن الأخت السائلة قد ندمت على ذنوبها وسرقتها فنرجو أن تكون توبتها صادقة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني. ولم يبق على الأخت السائلة إلا الإتيان ببقية شروط التوبة وهي رد المال المسروق إلى أهله. وأما ما ذكرته من أنها تخشى من الفضيحة فالجواب هو لا بد من رد تلك المسروقات إلى أهلها، ولا يلزم إخبارهم بحقيقة الأمر، فأديها إليهم على شكل هدايا كما ذكرت، وأما كونك ليس من المعتاد أن تهدي لهم فيمكن أن تضعي المال في حسابهم أو تتصلي بهم مثلا وتشكريهم على معروفهم لك أيام الدراسة، وأنك قررت التواصل معهم، وأرسلي لهم المال كهدية على أساس أنها بداية التواصل، والمهم أنك لن تعدمي حيلة توصلين بها الحقوق من غير إحراج، ولا يجزي أن تتصدقي بالمال عنهم ما دمت تعرفينهم وتستطيعين إيصال المال إليهم ولو مراسلة. وأما من سرقت منهم ولا تعرفين مكانهم فتصدقي بالمبلغ المسروق عنهم. وقد نص أهل العلم على أن الغاصب إذا جهل صاحب المال المغصوب ولم يتمكن من إيصال المال إليه ولا لورثته لعدم علمه بهم فإنه يتصدق به عنه مضمونا. قال صاحب الزاد: وإن جهل ربه تصدق به عنه مضمونا. قال في الشرح: أي بنية ضمانه إن جاء ربه، فإذا تصدق به كان ثوابه لربه وسقط عنه إثم الغصب. انتهى.
ولا تذهبي إلى العمرة من مالك الخاص قبل سداد ما عليك من تلك الأموال المسروقة إلا كان أهلك سيتكفلون بمال العمرة، فلا حرج عليك في الذهاب. وأما الحج وتأثير السرقة عليه فالحج صحيح إن شاء الله تعالى ولا أثر لتلك الذنوب عليه، والله تعالى حكم عدل كما أنه يعاقب على الذنوب أو يعفو عنها فهو يثيب على الطاعات ويكافئ عليها وقد قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا {طـه:112} ، وانظري للأهمية الفتوى رقم: 40782، حول شروط توبة السارق.
والله أعلم.