الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصبرُ على البلاء والتمسك بالدين في زمن الغربة هو الضريبة التي لا بد من أن يدفعها من أراد الثبات على الحق، في زمن عز فيه الثابت عليه، ومن كان كذلك فهو أهل للفوز ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: فطوبى للغرباء، قيل من هم يا رسول الله، قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس رواه مسلم.
والذي ننصحكِ به أيتها الأخت الفاضلة هو التمسك بحجابك، وألا تخضعي لأي ضغوطٍ تُلجئكِ إلى خلعه، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.
كما لا يجوزُ لكِ العمل في هذا البنك الربوي، مالم تكن ضرورة، وعليكِ المبادرة بتركه، ما لم يترتب على ذلك مفسدة راجحة كأن يغلب على ظنك هلاكُ والدكِ، أو ألا تجدي ما تُسدين به حاجاتك الأساسية من مأكل ومشرب وملبس، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 79624، 65327، 8428، 69889.
وإذا دار الأمر بين هذين الخيارين، أن تعملي في البنك الربوي، أو تعملي في عمل آخر مع خلع الحجاب، فالحلُ هو ترك العمل في البنك الربوي، والعمل الآخر المستلزم خلع الحجاب مع الصبر والاحتساب، والاجتهاد في البحث عن عمل آخر، تتوافر فيه الشروط الشرعية.
ولو استلزم ذلك، ما استلزمه من الصعاب كمخالفة رأي الأهل والأقارب.
وبالنسبة لراتبك من البنك فإنه مقابل منفعة محرمة ومثل هذا المال يجوز لك أن تأخذي منه بقدر حاجتك وتصرفي الباقي في منافع المسلمين ولك أن تسددي به ديون والدك إن كان محتاجا إلى هذا المال في سداد ديونه.
وينبغي أن تعلمي وتعلميهم أن مجرد بذل الجهد المطلوب، لا يقتضي كون الأجرة حلالاً إذا لم يكن العمل مباحا أصلا.
وعليكِ أن تعلمي وتعلميهم أن طاعة الله والتمسك بشرعه هو جالب الخير والبركة ، وفاتح أبواب الرزق ، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ {الأعراف:96} ، ونحنُ جازمون بأنكِ متى صبرت وأخلصت لله، فسيعوضكِ الله خيرا.
واجعلي هاديكِ إلى ما نذكره قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. أخرجه أحمد.
فتفكري في هذا الحديث، وكوني على ذكر دائم له، وذكري به من حولكِ ممن يريدُ أن تستمري في العمل المحرم، وكوني على ثقة بوعد الله، وأنه لا يخيب من صدق في طلبه واللجأ إليه.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياك من فضله، وأن يُخلف عليك خيرا من هذا العمل.
والله أعلم.