الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أثنى الله سبحانه على من يعمر مساجده فقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. {التوبة:18}.
وإن من عمارة المساجد إقامتها، وترميمها وتعاهدها وصيانتها، ويدخل هذا الفعل أيضا في الصدقة الجارية، ولو كانت المشاركة بمبلغ قليل، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ومن فضل الإنفاق على المساجد وتعميرها والمساهمة في استمرارها وبنائها ماورد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
قال السندي في شرحه لابن ماجه: وقَوْله: كَمَفْحَصِ قَطَاة. هُوَ مَوْضِعهَا الَّذِي تُخَيِّم فِيهِ وَتَبِيض لِأَنَّهَا تَفْحَص عَنْهُ التُّرَاب، وَهَذَا مَذْكُور لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَة فِي الصِّغَر وَإِلَّا فَأَقَلّ الْمَسْجِد أَنْ يَكُون مَوْضِعًا لِصَلَاةِ وَاحِدٍ. وَفِي الزَّوَائِد: إِسْنَاده صَحِيح وَرِجَاله ثِقَات. انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وَحَمَلَ أَكْثَر الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاة عَنْهُ لِتَضَع فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُد عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَاره لِلصَّلَاةِ فِيهِ... وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ, وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَة هَذَا الْقَدْر، أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَة فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَتَقَعُ حِصَّة كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْر. انتهى .
وفي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ.
قال النووي في بيان عظمة هذا الثواب: يَحْتَمِل قَوْله: مِثْله، أَمْرَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : بَنَى اللَّه تَعَالَى لَهُ مِثْله فِي مُسَمَّى الْبَيْت, وَأَمَّا صِفَته فِي السَّعَة وَغَيْرهَا فَمَعْلُوم فَضْلهَا أَنَّهَا مِمَّا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعْت وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . الثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ فَضْله عَلَى بُيُوت الْجَنَّة كَفَضْلِ الْمَسْجِد عَلَى بُيُوت الدُّنْيَا. انتهى .
وقد سبق بيان فضل بناء المساجد وتعميرها في الفتاوى الآتية أرقامها: 10427، 35601، 50965.
والله أعلم.