الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهاهنا مسألتان، الأولى: في حكم زكاة مالك الذي بيدِ صاحبك، فهذا تجبُ عليك زكاته بلا شك، لأنه مملوكٌ لك فوجبت عليك زكاته، ويرى بعض العلماء أنه يلزمك إخراجها على رأس الحول مع مالك، ويرى بعضهم أن لك تأخير إخراجها حتى تقبض المال فتزكيه لما مضى من السنين، وانظر للتفصيل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 119194، 117287، 860.
والثانية: في حكم انتفاعك بهذا المنزل، فإن كان المال الذي استقر في ذمة صديقك دينا بثمن مبيع أو نحوه جاز لك الانتفاع بهذه الدار بشرط أن يأذن لك في الانتفاع عند الحنابلة، وشرط المالكيةُ أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد، فإن لم تكن قد اشترطت الانتفاع في العقد لم يجز، وأما إن كان هذا المال عن قرض أقرضته إياه، فإن انتفاعك بهذا المنزل غيرُ جائز، لأن الانتفاع بالمرهونٍ نظير القرض داخلٌ في باب الربا، والقاعدة: أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا.
قال الشيخ ابن ضويان في شرح الدليل: وله الانتفاع به مجاناً بإذن الراهن لطيب نفس ربه به، ما لم يكن الدين قرضاً، فيحرم الانتفاع لجر النفع، قال أحمد: أكره قرض الدور، وهو الربا المحض. يعني: إذا كانت الدار رهناً في قرض ينتفع بها المرتهن. انتهى.
جاء في الموسوعة الفقهية: فذهب الحنفية إلى أنه ليس للراهن ولا للمرتهن الانتفاع بالمرهون مطلقا، لا بالسكنى ولا بالركوب، ولا غيرهما، إلا بإذن الآخر، وفي قول عندهم: لا يجوز الانتفاع للمرتهن ولو بإذن الراهن ; لأنه ربا، وفي قول: إن شرطه في العقد كان ربا، وإلا جاز انتفاعه بإذن الراهن.
وقال المالكية: غلات المرهون للراهن، وينوب في تحصيلها المرتهن، حتى لا تجول يد الراهن في المرهون، ويجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون بشروط هي:
1 - أن يشترط ذلك في صلب العقد.
2 - وأن تكون المدة معينة.
3 - ألا يكون المرهون به دين قرض.
فإن لم يشرط في العقد وأباح له الراهن الانتفاع به مجانا لم يجز ; لأنه هدية مديان، وهي غير جائزة، وكذا إن شرط مطلقا ولم يعين مدة للجهالة، أو كان المرهون به دين قرض، لأنه سلف جر نفعا. انتهى.
ثم ذكروا مذهب الحنابلة، وقد عرفت ملخصه من كلام شارح الدليل المتقدم، ثم جاء فيها: وقال الشافعية: ليس للمرتهن في المرهون إلا حق الاستيثاق فيمنع من كل تصرف أو انتفاع بالعين المرهونة، أما الراهن فله عليها كل انتفاع لا ينقص القيمة كالركوب ودر اللبون، والسكنى والاستخدام، لحديث: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، وحديث: الرهن مركوب ومحلوب. وقيس على ذلك ما أشبهه من الانتفاعات.
أما ما ينقص القيمة كالبناء على الأرض المرهونة والغرس فيها فلا يجوز له إلا بإذن المرتهن؛ لأن الرغبة تقل بذلك عند البيع. انتهى.
وبما تقدم تعلم أن الواجبُ عليك ترك الانتفاع بهذا المسكن إن كان الدين الذي على صاحبك عن قرض، وعليك في هذه الحال إن انتفعت به أن تحسب أجرة المدة التي انتفعت فيها بهذا البيت، ثم تخصمها من دين صاحبك،
قال ابن قدامة في المغني: وإذا انتفع المرتهن بالرهن باستخدام أو ركوب أو لبس أو استرضاع أو استغلال أو سكنى أو غيره حسب من دينه بقدر ذلك. قال أحمد: يوضع عن الراهن بقدر ذلك لأن المنافع ملك الراهن فإذا استوفى فعليه قيمتها في ذمته للراهن فيتقاص القيمة وقدرها من الدين ويتسقاطان. انتهى.
وما تخصمه من دينه على هذا التقدير لا تلزمك زكاته، لأنه لم يعد ملكا لك.
والله أعلم.