الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي كتاب الفقه الأكبر الذي ذكره السائل ما يكفي للرد على إشكالاته، ففيه: فصل في إثبات العلو.
قال فيه الإمام أبو حنيفة: من قال: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقد كفر. وكذا من قال: إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض. والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل، ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء، وعليه ما روي في الحديث أن رجلا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: وجب علي عتق رقبة أفتجزئ هذه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أمؤمنة أنت؟ فقالت: نعم. فقال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 118504.
وفي كلام الإمام أبي الحسن الأشعري أيضا ما يكفي السائل الكريم لو كان مريدا للحق دون تعصب، فقد عقد ـ رحمه الله ـ في كتاب الإبانة عن أصول الديانة بابا بعنوان: ذكر الاستواء على العرش، قال فيه: إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقرار. كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.{طـه:5}.
وقد قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ. {فاطر:10}. وقال تعالى: بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. {النساء:158}. وقال تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ. {السجدة:5}. وقال تعالى حاكيا عن فرعون لعنه الله: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ*أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا. {غافر:،37،36 }. كذب موسى عليه السلام في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات. وقال تعالى: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض. فالسماوات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السماوات قال: أأمنتم من في السماء. لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: أأمنتم من في السماء. يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى: وجعل القمر فيهن نورا. ولم يرد أن القمر يملؤهن جميعا وأنه فيهن جميعا. ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض. انتهـى.
ثم عقد فصلا مفصلا للرد على المعتزلة والجهمية والحرورية القائلين إن معنى قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى. أنه استولى وملك وقهر، وأن الله تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستو على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فنرجو من السائل الكريم أن يراجع هذا الفصل بطوله لعظم فائدته ووضوحه.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على رسالة أبي إسحاق الماراني في الذب عن أبي الحسن الأشعري وكتابه: الإبانة عن أصول الديانة. وهي متوفرة على موقع المكتبة الشاملة.
وقد سبق لنا إيراد نقول عن علماء السنة في مسألة الاستواء في الفتوى رقم: 66332. كما سبق لنا بيان أن الله فوق عرشه بائن عن خلقه، والرد على من قال: إن الله في كل مكان، في الفتويين: 6707 ، 8825 . وكذلك بيان أن التجسيم والتشبيه كفر بالله، وتبرئة علماء أهل السنة من ذلك، في الفتوى: 19144.
والله أعلم.