الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنذكرك أيتها السائلة أن القسوة والعنف كلاهما مذموم في الأصل, وما ذكرت القسوة في القرآن إلا على سبيل الذم, وقد قال تعالى ممتنا على نبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ. {آل عمران: 159}.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يكون الرفق في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه.
وتعامل الإخوة مع بعضهم ينبغي أن يختص بمزيد من الرفق والرحمة، فإن الأخ إما أن يكون كبيرا فحقه التوقير والاحترام، وإما أن يكون صغيرا فحقه الرحمة والحنان, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا، و يعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني.
أما بخصوص أختك هذه، فينبغي النظر في حالها، فإن كانت صغيرة لم تبلغ حد التكليف فما كان منك من ضرب لها غير جائز، لأن ضرب الصغير هو من قبيل التأديب، وتأديب الصغير لا يكون إلا للولي من أب، أو جد، أو وصي، سواء من تلقاء أنفسهم أو بأمر القاضي لهم وكذا الأم.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أن ولاية تأديب الصغير تثبت للولي بالولاية الخاصة، أبا كان أو جدا أو وصيا، أو قيما من قبل القاضي لحديث: مروا أولادكم بالصلاة. انتهى.
وفيها أيضا: يجوز للأب والأم ضرب الصغير والمجنون زجرا لهما عن سيئ الأخلاق وإصلاحا لهما. انتهى.
وجاء في حاشية ابن عابدين: ونقل الشارح عن الناظم أنه قال: ينبغي أن يستثني من الأحرار القاضي فإنه لو أمره بضرب ابنه جاز له أن يضربه، بل لا يجوز له أن لا يقبل. اهـ. وقيد الشرنبلالي بكون القاضي عادلا وبمشاهدة الحجة الملزمة، قال: ولا يعتمد على مجرد أمر القاضي الآن. انتهى.
وبشرط أن يكون الضرب غير مبرح، بل قد قيده بعض الفقهاء بكونه باليد لا بآلة، وألا يزيد على ثلاث ضربات. جاء في حاشية ابن عابدين: يضرب الصغير باليد لا بالخشبة، ولا يزيد على ثلاث ضربات.
وليس لغير هؤلاء المذكورين ولاية التأديب.
جاء في الموسوعة الكويتية: وليس لغير هؤلاء ولاية التأديب عند جمهور الفقهاء. انتهى.
ولذا فإن ضربك لأختك في هذه الحال من قبيل التعدي، لأنك لست من أصحاب ولاية التأديب.
أما إذا كانت أختك هذه كبيرة بالغة وكان ضربك لها أثناء فعلها لمنكر, ولا سبيل لتغيير المنكر إلا بهذا، وأمنت مع ذلك ترتب فتنة كبيرة على هذا الضرب، فإن ضربك لها حينئذ جائز بقدر ما يندفع به المنكر، أما بعد الفراغ من المعصية فليس لك ضربها، لأن ضربك لها حينئذ من باب العقوبة والتعزير، وليس لك في ذلك حق البتة كما سبق بيانه.
جاء في الموسوعة الكويتية: وليس لغير هؤلاء ولاية التأديب عند جمهور الفقهاء، غير أن الحنفية قالوا: يقيم التأديب إذا كان حقا لله كل مسلم في حال مباشرة المعصية لأنه من باب إزالة المنكر، والشارع ولي كل مسلم، ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فلغيره بيده. أما بعد الفراغ من المعصية فليس بنهي، لأن النهي عما مضى لا يتصور فيتمحض تعزيرا وذلك إلى الإمام. انتهى.
وعلى ضوء ما سبق ينبغي لك تقييم حالك، فإن كان ضربك لها في محله فلا حرج عليك، وإن كان في غير محله فاستغفري لذنبك وأكثري من الدعاء لها بالرحمة والغفران، ثم الصدقة عنها، فإن هذا مما تنتفع به إن شاء الله ولعله يكون كفارة لما كان منك من تجاوز في حقها.
وأما التوبة فهي مطلوبة منك على كل حال.
والله أعلم.