الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن طلب العلم من أجل الطاعات وأفضل القرب، وحسبك أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم فقال سبحانه وتعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} فدل على رفيع قدر العلم وعظيم منزلته، والأدلة على فضل طلب العلم لا تكادُ تنحصر، ثم إن هذا الفضل يحصل لكل من بحث عن العلم، وطلبه من مظانه، وإنما يتفاوت الناس في ذلك الفضل بحسب تفاوتهم في الطلب، فالعامي إذا بحث عن العلم، وسأل عنه أهله الراسخين فيه فهو طالبٌ للعلم ينالُ من الفضل بحسب سعيه وتحصيله، قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي في شرح حديث: من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلى الجنة:
قوله من سلك أي دخل أو مشي طريقا أي حسية أو معنوية يلتمس فيه أي يطلب فيه والجملة حال أو صفة (علما) نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة أو كثيرة إذا كان بنية القربة والنفع والانتفاع. انتهى.
وفي المرقاة: قال الطيبي: إنما أطلق الطريق والعلم ليشملا في جنسهما أي طريق كان من مفارقة الأوطان والضرب في البلدان إلى غير ذلك، وأي علم كان من علوم الدين قليلاً كان أو كثيراً. انتهى.
وننبه إلى أن طلب العلم على قسمين: فمنه فرض عين وهو ما يلزم المكلف معرفته بعينه، ولا يسعه التقصير فيه، وفرض كفاية يلزم المسلمين أن يوجد فيهم من يحصله، ويأثمون إذا فرطوا فيه جميعهم، وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وانظر الفتوى رقم: 119962.
ثم ننبه أيضاً إلى أن العامي ينبغي له أن يتحرى الموضع الذي يطلب منه العلم، فيحرص على التعلم من العلماء الثقات المعروفين بتعظيم السنة واتباعها، بسؤالهم ومجالستهم إن أمكنه ذلك، وإلا فبسماع أشرطتهم، وقراءة كتبهم وفتاواهم.
والله أعلم.