الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الصلاة لشغلا. متفق عليه، فلا ينبغي لمسلم بحال أن يصنع ما يلهيه في صلاته، ويشغله عنها، بل عليه أن يقبل عليها بكليته مستحضراً عظمة ربه عز وجل، متفكراً في معاني الأذكار، متدبراً لما يتلوه من الآيات.
والذي نراه أن هذا العداد قد يكون من أسباب الإلهاء في الصلاة والشغل عنها. وقولك: إنني اتخذت التدابير اللازمة كي لا يلهي عن الصلاة. غير مسلَّم، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم ألهاه قرام ذو تصاوير لعائشة سترت به سهوتها، وقال لها: أميطي عنك قرامك، فإن تصاويره لم تزل تعرض لي في صلاتي. وشغلته خميصة لها أعلام أي شيء يلبسه فيه خطوط، فأمر بردها إلى أبي جهم، والحديثان ثابتان في الصحيح.
ثم إن هذا العداد قد يسلبُ الصلاة روحها ولبها وهو الخشوعُ، بحيثُ تصيرُ حركة آلية روتينية لا حياة فيها ولا خشوع، ومن ثم فنحنُ ننصحك بعدم اتخاذ هذا العداد، وأن تقبل على صلاتك بخشوع وحضور قلب، فإذا سهوت فيها، فعلت ما أمر الشرعُ بفعله في حال السهو حسب نوع السهو وطبيعته، ولنا في باب سجود السهو فتاوى كثيرة مفصلة في هذا الموضوع، وإذا كثر منك الشك أو السهو بحيثُ أشبه الوسوسة، فإنك تطرحه ولا تلتفت له كما بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 119945، 58609، 58257.
وبمراجعتها تعرف معنى من استنكحه الشك، ومن يصدق عليه هذا الوصف ومن لا يصدق عليه.
ومن ثم تعرف أنه لا ينبغي لك اتخاذ هذا العداد، ولا تعليمُ طريقة اتخاذه على الشبكة العنكبوتية، وقد أجبنا عن مسألة مشابهة لمسألتك هذه في الفتوى رقم: 20599.
ولكننا لا نقولُ بتحريم هذا العداد، بل تركه أولى وأفضل؛ لأن بعض العلماء قد نصوا على جواز اتخاذ نظيره لمن كان يكثر منه النسيان والسهو، قال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع: وله عَدُّ الركعات، وهذه قد تكون أحوج مما سَبَقَ، لأن كثيراً من الناس ينسى ويعدُّها بالأصابع، فهنا مشكل؛ لأنه إذا رَكَعَ لا بُدَّ أن يفرِّجَ أصابعه، وإذا سَجَدَ لا بُدَّ أن تكون أصابعه مبسوطة، وعلى هذا فيعدُّها بأحجار أو نَوى، فيجعل في جيبه أربع نَوى فإذا صَلَّى الرَّكعة الأُولى رَمى بواحدة، وهكذا حتى تنتهي، فهذا لا بأس به. لأن في هذا حاجة، وخاصة لكثير النسيان. انتهى.
والله أعلم.