الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتوكيل الثقة في إخراج الزكاة جائز، ولا يجوز توكيل غير الثقة. جاء في الروض المربع مع حاشيته: وإن وكل مسلمًا ثقة جاز؛ لأنها عبادة، والكافر ليس من أهلها، وغير الثقة لا يؤمن عليها، ويجوز التوكيل في إخراج الزكاة وفاقًا. انتهى بتصرف.
فما دمت قد وكلت هذه الهيئة في إخراج زكاة مالك، وكان القائمون عليها معروفين بالعدالة والأمانة فلا حرج عليك، وقد برئت ذمتك بذلك، وما ذكرته من كونهم يعطون الغارمين من أهل تلك الدولة أكثر مما يعطون الغارمين من غيرها، لا يوجب إسقاط عدالتهم وإهدار أمانتهم مادام من يعطونهم الزكاة من الغارمين مستحقين للزكاة فعلا، وإن كان الذي ينبغي مناصحتهم في أن يقدموا ذوي الحاجات بغض النظر عن جنسياتهم.
وعليه فلا نرى مانعا من استمرارك في دفع الزكاة إلى هذه الهيئة ما لم تقم بينة ناهضة على خيانتهم وتفريطهم في أداء الأمانة، وإن كان الأفضل أن تقوم بتوزيع زكاتك بنفسك إن أمكنك ذلك.
جاء في الروض المربع وحاشيته: والأَفضل أن يفرقها بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وصيانة لحقهم عن الجناية عليه، وتفريج كربة مستحقها، مع إعطائها للأولى بها. انتهى.
ولا يلزمك إعادة إخراج الزكاة لأن الأصل في المسلمين العدالة والأمانة وأنهم دفعوا الزكاة إلى مستحقيها، وإن ثبتت بينة ناهضة على خيانة القائمين على هذه الهيئة وتفريطهم، فإن ذمتك تبرأ من الزكاة، لأن هذه الهيئة التي أنشأتها الدولة تقوم مقام السعاة الذين يبعثهم الإمام لقبض الصدقة، وإن قبض الإمام للصدقة يبرأ به الدافع بكل حال.
قال النووي في المجموع: قال أصحابنا تفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف لأنه على ثقة من تفريقه بخلاف الوكيل، وعلى تقدير خيانة الوكيل لا يسقط الفرض عن المالك لأن يده كيده فما لم يصل المال إلى المستحقين لا تبرأ ذمة المالك بخلاف دفعها إلى الإمام فإنه بمجرد قبضه تسقط الزكاة عن المالك. انتهى.
والله أعلم.