الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان تغييره نية الحج إلى عمرة يتمتع بها إلى الحج قبل الإحرام بالحج فلا إشكال في جواز هذا, وأنه لا محظور فيه, فإنه لم يتلبس بالنسك بعد, والتمتع بالعمرة إلى الحج جائز باتفاق الفقهاء, وإنما الخلاف في المفاضلة بينه وبين الإفراد والقران، ولا يلزمه أن يحج بعد هذه العمرة إلا أن تكون حجة الإسلام فإن جمهور العلماء يقولون بوجوب الحج على الفور.
وإن كان تغيير نية الحج إلى عمرة يتمتع بها إلى الحج بعد الإحرام بالحج, فهذه مسألة خلاف بين أهل العلم. فذهب أحمد وطائفة من العلماء إلى أن هذا هو السنة لكن شريطة أن يحج في عامه, واستدلوا بأمر النبي صلى الله عليه لأصحابه, من أحرم منهم بالحج ولم يكن ساق الهدي , أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة, وذهب الجمهور إلى المنع من ذلك وحملوا تلك الأحاديث على الخصوصية, وعارض ذلك المجوزون بحديث: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. متفق عليه.
وقد أطال العلامة ابن القيم رحمه الله فى زاد المعاد فى سياق أدلة مشروعية الفسخ, وبالغ حتى قال بالوجوب, ومذهب الجمهور كما عرفت هو المنع.
قال النووي رحمه الله فى شرح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اجعلوا إحرامكم عمرة وتحللوا بعمل العمرة. وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة، وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها، وقال مالك والشافعي، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، ومما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي ذكره مسلم بعد هذا بقليل: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه و سلم خاصة. يعنى فسخ الحج إلى العمرة، وفي كتاب النسائي عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لنا خاصة. وأما الذي في حديث سراقة :ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال: لأبد أبد. فمعناه جواز الاعتمار في أشهر الحج كما سبق تفسيره. انتهى .
وممن رجح استحباب فسخ الحج إلى عمرة العلامة ابن باز رحمه الله, قال رحمه الله: هذا هو الأفضل إذا قدم المحرم بالحج أو بالحج والعمرة جميعا، فإن الأفضل أن يجعلها عمرة وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لما قدموا، بعضهم قارن وبعضهم مفرد بالحج، وليس معهم هدي، أمرهم أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا، إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل منهما إن كان قارنا أو من الحج إن كان محرما بالحج يوم العيد.
المقصود أن من جاء مكة محرما بالحج وحده، أو بالحج والعمرة جميعا وليس معه هدي، فإن السنة أن يفسخ إحرامه إلى عمرة فيطوف ويسعى، ويقصر ويتحلل، ثم يحرم بالحج في وقته ويكون متمتعا وعليه دم التمتع. انتهى.