الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أيتها السائلة أن حق الأم على ولدها عظيم، ولا يسقط هذا الحق في أي حال، حتى وإن كانت مشركة بالله تدعو ولدها للكفر والضلال، قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}.
فالواجب عليك أن تتحملي أذى أمك لك، فكم تحملت هي من أجلك؟! تحملتك تسعة أشهر وأنت حمل في بطنها، وتحملتك وأنت طفلة رضيعة، لا تستطيعين رفع الضر عن نفسك، تَسْهَرُ لسهرك، وتتألم لمرضك، وتسعى ليلا ونهارا لخدمتك وإرضائك، فاصبري عليها، وتجنبي الإساءة إليها ولو بالتأفف.
قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الإسراء:23-24}.
وعليك أن تجاهدي نفسك فيما تجدين من مشاعر البغض لها والنفور منها، ففي ذلك الفوز الكبير في الدنيا والآخرة.
ولكن لا يعني هذا ترك مناصحتها ولا الإنكار عليها إذا وقعت في معصية الله، كلا، بل هذا من واجبها عليك، وكان عليك إذ رأيت منها ما رأيت من علاقتها مع هذا الرجل أن تنصحيها برفق ولطف، فإن لم تستجب لك فكان عليك أن تخبري بعض أرحامها كأحد إخوتها أو أعمامها مثلا ممن يقدرون على منعها من ذلك ولو بالقوة.
ولكن أما وقد انتهت عن هذا، وقطع هذا الرجل علاقته بها، فالواجب عليك هو سترها، ولا يجوز لك أن تخبري بهذا الأمر أحدا لا خالتك ولا غيرها، ولكن كوني على حذر دائما في علاقة زوجك بأمك، فإن من اجتمعا على الشر سابقا يسهل على الشيطان أن يوقعهما فيه لاحقا، خصوصا مع تشابك العلاقات وقربها كما في حالتكم هذه، ثم ننصحك أن تعتني بزوجك في أمر دينه وعلاقته بربه، وتحضيه دائما على ذكر الله والصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومن المفيد أن تدليه على صحبة صالحة يصحبها تكون عونا له على الاستقامة على طاعة الله سبحانه والقيام بأوامره.
وعليك أن تجتهدي في بر أمك بقدر ما تستطيعين، فإن اشتد أذاها لك، ولم تطيقي عليه صبرا، فيمكنك أن تقللي علاقتك بها بالقدر الذي يدفع عنك أذاها؛ لأن أمر البر والصلة لا يلزم منه ملازمتها ليلا ونهارا، ويمكنك حينئذ أن تكتفي بالسؤال عنها عن طريق الهاتف ونحوه، وزيارتها من حين لآخر، وإهدائها بعض الهدايا ولو كانت رمزية استئلافا لقلبها واستجلابا لمودتها.
هذا ويجب التنبيه على أن ما تقوم به أمك من تفضيل أخيك عليك في العطايا والهبات من غير مسوغ يقتضي ذلك الأمرغير جائز، كما بيناه في الفتوى رقم: 104031. ولكنه لا يسوغ لك عقوقها بحال.
والله أعلم.