الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخفى ما يحمله هذا المقال من مغالطات منكرة، سواء من الناحية الشرعية أو الواقعية أو الاجتماعية، فمن هذا المغالطات، حديثه عن آدم عليه السلام بطريقة لا تليق بحكماء البشر فضلا عن أنبيائهم، فإن آدم عليه السلام نبي رسول، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين: 62359، 1711.
ثم إنه علل معصية آدم بعلاقته العاطفية بحواء !! وزاد الطين بلة حينما قال: لذلك فقد أقبلَ على التفّاحةِ يأكلُها وهو عالِمٌ بأنّه يَعْصي أمرَ خالِقَه لإرضاءِ امرأتِه، بل ويعرِفُ أنّه خارِجٌ من الجنّةِ. وفي هذا مخالفة فجة للثابت من قصة آدم عليه السلام في القرآن المجيد، فالقرآن نص على أن إبليس هو الذي زين الأكل لآدم، وغره بخداعه وكذبه، وأن آدم عليه السلام قد نسي عهد الله، قال تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ .{البقرة: 36}. وقال سبحانه: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {الأعراف: 20-23}. وقال عز وجل: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى* فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. {طه: 120-121}.
فقول صاحب المقال: وهو عالِمٌ بأنّه يَعْصي أمرَ خالِقَه لإرضاءِ امرأتِه. مجازفة عمياء، وقد قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا. {طه: 115}.
قال ابن عباس: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي. اهـ.
وقال البغوي: إن قيل: أتقولون إن آدم كان ناسيا لأمر الله حين أكل من الشجرة؟ قيل: يجوز أن يكون نسي أمره، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعا عن الإنسان، بل كان مؤاخذا به، وإنما رفع عنا. وقيل: نسي عقوبة الله وظن أنه نهي تنزيها. اهـ.
وقد سبق لنا ذكر بعض الحقائق المهمة حول ذنب آدم وحواء عليهما السلام، في الفتوى رقم: 12519. فليرجع إليها.
ومن هذه المغالطات أيضا دندنته حول مكانة المرأة بالنسبة للرجل، وأنها هي التي تقوده وتوجهه وتحكم فيه، حتى يصرح بضرورة تبادُلِ الأدوارِ بين الإناثِ والذُّكورِ.
أما شريعة الله تعالى فالقاعدة فيها هي قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً. {النساء:34}.
فالقوامة إنما هي للرجل، فهو مسؤول عن امرأته أمام الله تعالى؛ كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. {التحريم: 6}.
وقال صلى الله عليه وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ. رواه البخاري ومسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
فأين هذا من قول صاحب هذا المقال الهابط: إنّ الرَّجُلَ الرَّجُلَ في وقتنا هذا، هو ذاك الكائنُ الذي يُجيدُ الطّبخَ وتنظيفَ بيتِ طاعتِه وغسلَ الملابِسِ.
والله أعلم.