الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا نشكر لك حرصك على تحرى الحلال في عملك وما تكسب منه رزقك، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود، وصححه الألباني أيضا.
والإنسان مأمور بتحري الطيب الحلال، والبعد عن المحرمات والمشتبهات. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ .{البقرة: 172}. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كلها، ألا وهي القلب. متفق عليه.
ومن تحرى الحلال يسره الله له لقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق: 2-3}. وقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً. {الطلاق: 4}.
والعمل في المؤسسات الربوية محرم ولو لم يكن في ذات الربا، لأن مجرد العمل فيها تعاون معها على إثمها وباطلها وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ. {المائدة:2}. وكل عمل يقوم به الموظف في المؤسسة الربوية مما لا غنى لها عنه كمعالجة أنظمة الحواسيب الآلية، وضبط الإجراءات الإدارية ونحوها لا يجوز لما ذكرنا.
وبناء عليه، فعملك في تلك الشركة إن كان مع البنوك الإسلامية فلا حرج فيه، وأما مع البنوك الربوية فلا يجوز، والأنظمة المشتركة التي قد تستعمل في الحلال والحرام يجوز عملها ما لم يغلب على الظن أنها ستستعمل في الحرام، وقد ذكرت أن البنك الربوي يستخدمها، وإن كان كذلك فلا يجوز لك فعلها، ولو كان البنك الإسلامي يستخدمها معه، فاستخدام البنك الإسلامي لها لا يبيح إعانة البنك الربوي بها، وقد نص الفقهاء رضي الله عنهم على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن ما يوصل إلى الحرام يكون مثله، ونصوا كذلك على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا، وتأجير الدار لمن يستعملها في الحرام؛ لأن في ذلك إعانة على ما حرم الله تعالى، وروى ابن بطة أن قيماً لسعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره، فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر. وأمر بقلعه.
قال ابن قدامة في المغني: وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك، أو إجارة دار لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة، أو بيت نار أو أشباه ذلك فهو حرام، والعقد باطل. انتهى.
فالحاصل أن كل ما يستعان به على المعصية وإن كان مباحاً في أصله يحرم بيعه أو العمل فيه.
وبناء على ذلك، فلا تعمل إلا في المجالات المباحة لتلك الشركة كالبنوك الإسلامية ونحوها، فإن لم يمكن اقتصارك على العمل في المباح فابحث عن غيرها، واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، نسأل الله عز وجل أن يغنيك بحلاله عن حرامه.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة هاتين الفتويين: 63996، 117468.
والله أعلم.