الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسؤال ينبغي أن نفرق فيه بين ثلاث صور:
الصورة الأولى: من يظلم من المسلمين وهو لا يدري، بل يخفى عليه وجه ظلمه، وإن سئل عن ذلك دافع عن نفسه وهو يظن أنه محق، فهذا مخطئ، وإثم الخطأ مرفوع عن هذه الأمة كما هو معلوم، فقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. {البقرة،286}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. وراجع الفتوى رقم: 27509.
الصورة الثانية: الخوارج الذين جاء وصفهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. متفق عليه.
فهؤلاء مؤاخذون كغيرهم من أهل البدع، لأن ما فعلوه قد تأولوا فيه بتأويل فاسد، خالفوا فيه سبيل المؤمنين.
قال ابن حجر: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْل الْأُصُول مِنْ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ الْخَوَارِج فُسَّاق وَأَنَّ حُكْم الْإِسْلَام يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَان الْإِسْلَام , وَإِنَّمَا فُسِّقُوا بِتَكْفِيرِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَأْوِيل فَاسِد وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى اِسْتِبَاحَة دِمَاء مُخَالِفِيهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْك. اهـ.
الصورة الثالثة: الضُّلَّال من أهل الملل، الذين يموتون على غير الإسلام بعد أن سمعوا به، فهؤلاء مؤاخذون بكفرهم وإن كانوا يظنون أنهم على الهدى، ولن ينفعهم ظنهم ولن يغني عنهم شيئا، قال تعالى: فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. {الأعراف: 30}.
قال الطبري: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى، فرق. وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية. اهـ. ونقل ذلك ابن كثير وأقره.
وقال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. {الزخرف:36-37}.
قال الطبري: يظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب. اهـ.
وقال السعدي: إن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر اللّه، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم والجرم جرمهم. اهـ.
والله أعلم.