الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل المتفق عليه هو أن الزكاة تفرق في بلد المال الذي وجبت فيه.
واتفق الفقهاء على أن أهل البلد إذا استغنوا عن الزكاة -كلها أو بعضها- لانعدام الأصناف المستحقة أو لقلة عدد أصحابها، وكثرة مال الزكاة، جاز نقلها إلى غيرهم.
وقال أكثر العلماء بالإجزاء، وسقوط الوجوب عمن نقلها ولم يكن أهل البلد قد استغنوا عنها وحكاه بعضهم إجماعاً، قال القاري في شرح المشكاة نقلا عن الطيبي: "واتفقوا على أنه إذا نقلت وأديت يسقط الفرض، إلا عمر بن عبد العزير فإنه رد صدقة نقلت من خراسان إلى الشام إلى مكانها، قال القاري: (وفيه، أن فعله هذا لا يدل على مخالفته للإجماع، بل فعله إظهاراً لكمال العدل، وقطعاً للأطماع)ا.هـ
والصحيح أن في المسالة خلافا، فالمعتمد عند الشافعية ورواية عند الحنابلة عدم الإجزاء، وسقوط الواجب عمن نقلها مع وجود مستحقيها.
واختلف أهل العلم هل يأثم من نقلها دون داع إلى النقل أم لا؟ فذهب الشافعية والحنابلة إلى تأثيمه وذهب الحنفية إلى عدم تأثيمه، وقالوا: (يكره نقلها، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين لما في ذلك من صلة الرحم، أو إلى فرد أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده، أو كان نقلها أصلح للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، لأن فقراء المسلمين الذين في دار الإسلام أفضل وأولى بالمعونة من فقراء دار الحرب، أو إلى عالم أو طالب علم لما فيه من إعانته على رسالته، أو كان نقلها إلى من هو أورع أو أصلح أو أنفع للمسلمين، أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول، فإنه في هذه الصور جميعها لا يكره له النقل)ا.هـ
وهذا هو الراجح، واختاره شيخ الإسلام فقال: (تحديد المنع من نقل الزكاة بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي، ويجوز نقل الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية) وكلام شيخ الإسلام فيه رد على معتمد مذهب الحنابلة وكذا المالكية فإن مذهبهم أنه يجب تفرقة الزكاة بموضع الوجوب أو قربه، وهو ما دون مسافة القصر، لأنه في حكم موضع الوجوب وخلاصة مذهبهم في نقل الزكاة هو أنهم قالوا: (إن لم يكن بمحل الوجوب. أو قربه مستحق فإنها تنقل كلها وجوباً لمحل فيه مستحق ولو على مسافة قصر، وإن كان في محل الوجوب أو قربه مستحق تعين تفرقتها في محل الوجوب أو قربه، ولا يجوز نقلها لمسافة القصر، إلا أن يكون المنقول إليهم أعدم -أحوج وأفقر- فيندب نقل أكثرها لهم، فإن نقلها كلها أو فرقها كلها بمحل الوجوب أجزأت، فأما إن نقلها إلى غير أعدم وأحوج فذلك له صورتان:
الأولى: أن ينقلها إلى مساو في الحاجة لمن هو في موضع الوجوب فهذا لا يجوز، وتجزئ الزكاة أي ليس عليه إعادتها.
الثانية: أن ينقلها إلى من هو أقل حاجة ففيها قولان:
الأول: ما نص عليه خليل في مختصره أنها لا تجزئ.
الثاني: ما نقله ابن رشد وصاحب الكافي وهو الإجزاء لأنها لم تخرج عن مصارفها، ولمزيد الفائدة يمكن للأخ السائل وغيره أن يراجع فقه الزكاة للشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله.
والله أعلم.