الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن شك في عدد الركعات وهو في الصلاة فإنه يبني على الأقل مطلقا في مذهب الجمهور ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، لحديث أبي سعيد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان.
وعليه؛ فمن شك وهو في التشهد، هل هذا هو التشهد الأول أو الأخير، فإنه يبني على اليقين وهو أنه في التشهد الأول ويسجد سجدتين قبل السلام، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يتحرى الصواب ويعمل بما غلب على ظنه إن كان عنده غلبة ظن ثم يسجد سجدتين بعد السلام وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح العلامة العثيمين رحمه الله قال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع: القول الثَّاني في المسألة: أنه إذا شَكَّ وترجَّحَ عنده أحد الأمرين أخذ بالمترجِّح، سواء كان هو الزائد أم النَّاقص، ودليل هذا القول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال فيمن شَكَّ فتردَّدَ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً قال: فَلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ، فَلْيُتِمَّ عليه يبني على التحري ثم ليُسَلِّم، ثم يسجد سجدتين، يدلُّ مع الحديث الأول على أن الشَّاكَّ له حالان:
الأولى: حال يمكن فيها التَّحري، وهي التي يغلب فيها الظَّنُّ بأحد الأمرين.
الثانية: حال لا يمكن فيها التَّحري، وهي التي يكون فيها الشَّكُّ بدون ترجيح.
وبناءً على ذلك نقول: إذا شَكَّ في عدد الرَّكعات، فإن غلب على ظَنِّه أحد الاحتمالين عَمِلَ به، وبَنَى عليه، وسَجَدَ سجدتين بعد السَّلام، وإنْ لم يترجَّح عنده أحد الاحتمالين أخذ بالأقل، وبَنَى عليه، وسَجَدَ قبل السَّلام.
إلى أن قال رحمه الله: مسألة: وهي هل يفرَّق بين الإِمام والمنفرد والمأموم؟ أو هم على حَدٍّ سواء؟
الجواب: فَرَّقَ بعض العلماء بين الإِمام وغيره، وقال: الإِمامُ يأخذ بغالب ظَنِّهِ، وأما المأموم والمنفرد فيبني على اليقين، وهو الأقل.
ووجه الفرق على رأي هؤلاء العلماء: أن الإِمام عنده من يُنبِّهه لو أخطأ، بخلاف غيره، ولكن حديث ابن مسعود الذي ذكرناه آنفاً يدلُّ على أنه يبني على غالب ظَنِّهِ، سواء كان إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً.
والقول الأول هو قول الجمهور كما تقدم، قال النووي في شرح مسلم مرجحا قول الجمهور: وذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيأتي بما بقى ويسجد للسهو، واحتجوا بقوله صلى الله عليه و سلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان، وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين وحملوا التحري في حديث بن مسعود رضي الله عنه على الأخذ باليقين قالوا والتحري هو القصد ومنه قول الله تعالى :تحروا رشدا، فمعنى الحديث فليقصد الصواب وليعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره، فإن قالت الحنفية حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلناه لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين بنى على الأقل بالإجماع بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا، فالجواب أن تفسير الشك بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوى والراجح والمرجوح والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح.
والله أعلم.