الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في من ترك الصلاة أو بعض أركانها أو شروطها عن جهل أو تأويل هل يلزمه القضاء؟ على قولين: أحدهما يلزمه القضاء وهو قول الجمهور لأنها دين في ذمته فلا يبرأ إلا بقضائها لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه. وذهب شيخ الإسلام إلى عدم لزوم القضاء؛ لأن الشرع لا يثبت في حق المكلف إلا بعد بلوغه له، وقد ذكرنا طرفاً من كلامه وما احتج به في الفتوى رقم: 109981. وقول شيخ الإسلام له قوة واتجاه ولا حرج على من رأى قوة قوله متابعته عليه أو قلده في ذلك، ولكن قول الجمهور لا شك في أنه أحوط وأبرأ للذمة، وليس فيه كبير مشقة ولا صعوبة كما تصورينه في سؤالك، فإن الشافعية يوجبون القضاء على التراخي إلا إذا تعمد الترك، وهذا أمر يسير ليس فيه مشقة بوجه، وحتى على القول بوجوب القضاء على الفور فهو إنما يجب بحسب الوسع والطاقة، وما لا يضر ببدن المكلف أو معاشه، لقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. {البقرة:286}. ولقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. {التغابن:16}.
فقضاؤك هذه الصلوات هو الأحوط بلا شك، ولسنا نرى فيه ما يوجب هذا العناء الذي تحدثت عنه، ثم إن الصلاة هي قرة عين المؤمن وبهجة نفسه ولذة روحه، فلو أديتها على هذا الوجه مستحضرة أنها تقربك من ربك جل وعلا، مستشعرة ما لها من عظيم الفضل وكبير الأجر لهان عليك الخطب جداً. وأما ما ذكرته عن أمر الوساوس فالواجب عليك أن تعرضي عنها، ولا تلتفتي إليها، ولا تفتحي على نفسك بابها فإنه باب شر، ولا تقضي الصلوات بمجرد الشك أو الوهم أو الوسوسة، بل لا يلزمك القضاء إلا إذا تيقنت بأن الصلاة قد لزمك قضاؤها، وانظري الفتوى رقم: 51601.
والله أعلم.