الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق لنا أن بينا في عدة فتاوى عدم مشروعية الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد بداية الشهور القمرية وانتهائها، وأن القول بالحساب الفلكي يعتبر قولا مخالفا لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ولما اتفق عليه الصحابة ومردود عند جمهور أهل العلم، وأن مجمع الفقه الإسلامي قرر عدم الاعتماد على الحساب الفلكي فانظر لذلك كله الفتوى رقم: 6636. بل ومخالف أيضا للغة العرب التي نزل بها القرآن, فالهلال مأخوذ من الإهلال أي الظهور, فإذا لم يره الناس فهو ليس هلالا ولا عبرة بأقوال الفلكيين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: فَإِنَّ الْهِلَالَ مَأْخُوذٌ مِنْ الظُّهُورِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فَطُلُوعُهُ فِي السَّمَاءِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْأَرْضِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا ... وقال أيضا: ... وَذَلِكَ أَنَّ الْهِلَالَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ . وَمِنْ أَصَحِّ الْمَعْلُومَاتِ مَا شُوهِدَ بِالْأَبْصَارِ وَلِهَذَا سَمَّوْهُ هِلَالًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ تَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ وَالْبَيَانِ: إمَّا سَمْعًا وَإِمَّا بَصَرًا ... . وهلال أصحاب الفلك ليس هلالا ظاهرا لا بصرا ولا سمعا, وأما البيان المذكور فلنا عليه عدة ملاحظات:
أولا: قولهم: على المسلمين في البلاد الأوروبية أن يأخذوا بهذه القاعدة .... إلخ إن كانوا يعنون أنه يجب على المسلمين أن يأخذوا بهذه القاعدة – كما يدل عليه لفظ ( على ) – فهذا إيجاب لما لم يوجبه الله ولا رسوله, وأين هي الأدلة الشرعية من الكتاب أو السنة أو الإجماع على وجوب الأخذ بالحساب الفلكي.
ثانيا: إذا كانوا يرون أنه لا عبرة باختلاف المطالع فلماذا لا يوجبون ذلك على المسلمين في الأرض كلها ؟! لماذا يوجبونه على المسلمين في أوروبا فقط , وهذا تناقض عجيب .
ثالثا : دعواهم بأن الحساب الفلكي يعتبر قطعيا هذه دعوى يكذبها الواقع فيما نرى, فقد تعدد الحالات التي يخبر فيها الفلكيون باستحالة رؤية الهلال, ثم يثبت رؤيته بشهادة العشرات – وليس الآحاد - من الناس العدول في بلدان المسلمين على اختلافها, وانظر المبحث النفيس الذي ذكره العلامة بكر أبو زيد رحمه الله تعالى حول إثبات أن الحساب ظني وليس قطعيا وذلك في كتابه فقه النوازل ( 2 /216 ) وقد ذكر حوادث كثيرة موثقة تدل على أن الحساب ظني وليس قطعيا , وإذا كان الأمر كذلك فليس من الصواب إيجاب الأخذ بالحساب الظني وترك ما جاء به الشرع من الاعتماد على الرؤية أو إتمام شعبان ثلاثين يوما.
والخلاصة أننا نرى أن هذا البيان لا عبرة به وأنه يجب على المسلمين في أوروبا أن يتحروا الهلال فإن رأوه صاموا وإن لم يروه – سواء لأجل غيم أو كان الجو صحوا – أتموا عدة شعبان ثلاثين يوما, وهذا ما جاء به الشرع المطهر وقد قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ.{الأعراف: 3}. والاعتصام بحبل الله تعالى الذي ورد في الآية الكريمة التي صدر بها البيان معناه الاعتصام بالكتاب وليس في الكتاب والسنة الاعتماد على الحساب الفلكي.
والله أعلم.