الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر سهل ـ إن شاء الله ـ وصيامك صحيح ولا قضاء عليك، فإن ما ذكرته من تغير لون الريق ـ حتى لو فرض كونه من أثر ـ الطعام فإنه أمر يشق التحرز منه فلم يكن مفطراً أشبه غبار الطريق ونحوه، وقد نص فقهاء المالكية على أن ابتلاع ما بين الأسنان من طعام لا يفطر، قال في منح الجليل: فالمراد بالإيصال الوصول وهذا في غير ما بين الأسنان من طعام إذ لا يفطر ابتلاعه ـ ولو عمداً ـ هذا مذهب المدونة وشهره ابن الحاجب. انتهى.
وعلل ذلك الحكم في مواهب الجليل بأنه أمرغالب، فلون الريق المتغير أولى أن يعفى عنه على فرض كون ما به من أثر الطعام، ويرى الشافعية أن في هذه المسألة تفصيلاً، فإن كان تغير لون ريقك ناشئاً عن مجاورة الطعام بحيث لا يوجد أثر للطعام في الفم ويعلم أن عينه قد زالت، فلا حرج عليك في ابتلاع ريقك، لأنك في هذه الحال لم تدخل شيئاً إلى جوفك، وأما إذا كان تغير لون الريق ناشئاً عن بقاء عين الطعام في الفم، فإنك تفطر إذا تعمدت ابتلاعه، وعند الشافعية خلاف، هل يلزم في هذا التغير باللون بقاء أثر الطعام أو لا؟ جاء في حاشية إعانة الطالبين: قوله فيفطر من ابتلع ريقاً متغيراً بحمرة نحو تنبل، أي لأن تغير لونه يدل على أن به عيناً ـ قوله وإن تعسر إزالتها، أي الحمرة من الريق، وكتب الرشيدي قوله إن انفصلت منه عين علم منه أن المدارعلى العين لا على اللون ولا على الريح، فلا حاجة إلى الغاية، بل هي توهم خلاف المراد على أن اللون في الريق لا يكون إلا عيناً كما هو ظاهر. انتهى.
وقوله على أن اللون إلخ، تقدم في فصل مبطلات الصلاة عن ـ ع ش ـ ما يفيد خلافه، وحاصل ما تقدم عنه أن الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه يضر ابتلاعه وعلله بالعلة المذكورة ثم ذكر احتمال أن يقال بعدم الضرر وعلله بأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته للأسود مثلاً.
قال: وهذا هو الأقرب أخذاً مما قالوه في طهارة الماء إذا تغير بمجاور، فقوله إن مجرد اللون يجوز إلخ، يخالف قول الرشيدي أن اللون لا يكون إلا عيناً، والحاصل الذي يؤخذ من كلامهم أنه إن علم انفصال عين في الريق ضر بالنسبة للصلاة والصوم وإلا فلا، وإن تغير لونه أو ريحه سواء كان بالصبغ أو بنحو تنبل فتنبه. انتهى.
فحاصل ما يدل عليه كلام الشافعية هو أن هذا التغير إن لم يلزم منه بقاء عين الطعام في الفم، فلا حرج في ابتلاع الريق إذن وإلا فلا يجوز تعمد ابتلاعه، ومذهب المالكية في هذه المسألة هو ما عرفناك أولاً وهو أن ابتلاع الريق ـ والحال هذه ـ لا ضرر فيه مطلقاً، ولعله أولى لكونه أرفق بالمكلف ولمشقة الاحتراز من مثل هذا.
والله أعلم.