الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتقييد صاحب المال للمضارب بعمل معين، هو من أنواع المضاربة المقيدة، والأصل أنها جائزة؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.. والقيد شرط، والأصل في الشروط اعتبارها ما أمكن، ما دامت مفيدة وغير مخالفة للشرع.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: وأما المضاربة المقيدة فحكمها حكم المضاربة المطلقة في جميع ما وصفنا, لا تفارقها إلا في قدر القيد، والأصل فيه أن القيد إن كان مفيدا يثبت ; لأن الأصل في الشروط اعتبارها ما أمكن, وإذا كان القيد مفيدا كان يمكن الاعتبار فيعتبر; لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: المسلمون عند شروطهم. فيتقيد بالمذكور ويبقى مطلقا فيما وراءه على الأصل المعهود في المطلق إذا قيد ببعض المذكور, أنه يبقى مطلقا فيما وراءه, كالعام إذا خص منه بعضه, إنه يبقى عاما فيما وراءه, وإن لم يكن مفيداً لا يثبت بل يبقى مطلقا; لأن ما لا فائدة فيه يلغو ويلحق بالعدم.
وقال ابن قدامة في المغني: والشروط في المضاربة تنقسم قسمين; صحيح, وفاسد, فالصحيح مثل أن يشترط على العامل أن لا يسافر بالمال, أو أن يسافر به, أو لا يتجر إلا في بلد بعينه, أو نوع بعينه, أو لا يشتري إلا من رجل بعينه. فهذا كله صحيح, سواء كان النوع مما يعم وجوده, أو لا يعم, والرجل ممن يكثر عنده المتاع أو يقل. وبهذا قال أبو حنيفة.
وقال مالك والشافعي: إذا شرط أن لا يشتري إلا من رجل بعينه, أو سلعة بعينها, أو ما لا يعم وجوده, كالياقوت الأحمر, والخيل البلق, لم يصح لأنه يمنع مقصود المضاربة, وهو التقليب وطلب الربح فلم يصح, كما لو اشترط أن لا يبيع ويشتري إلا من فلان, أو أن لا يبيع إلا بمثل ما اشترى به.
ولنا أنها مضاربة خاصة لا تمنع الربح بالكلية فصحت, كما لو شرط أن لا يتجر إلا في نوع يعم وجوده, ولأنه عقد يصح تخصيصه بنوع, فصح تخصيصه في رجل بعينه, وسلعة بعينها كالوكالة. وقولهم: إنه يمنع المقصود. ممنوع, وإنما يقلله, وتقليله لا يمنع الصحة, كتخصيصه بالنوع. ويفارق ما إذا شرط أن لا يبيع إلا برأس المال, فإنه يمنع الربح بالكلية. وكذلك إذا قال: لا تبع إلا من فلان, ولا تشتر إلا من فلان. فإنه يمنع الربح أيضا; لأنه لا يشتري ما باعه إلا بدون ثمنه الذي باعه به. ولهذا لو قال: لا تبع إلا ممن اشتريت منه. لم يصح لذلك. اهـ
والله أعلم.