الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فههنا مسألتان مختلفتان:
الأولى: فسخ الحج إلى عمرة ليصير المفرد متمتعا.
والثانية: إدخال العمرة على الحج ليصير المفرد قارنا.
فأما فسخ الحج إلى عمرة، فذهب إلى مشروعيته: الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وبالغ ابن القيم في تقريره في زاد المعاد بما تحسن مراجعته منه، ومال هو إلى القول بوجوب الفسخ، والمذهب أن فسخ الحج إلى عمرة لمن كان مفردا أو قارنا مستحب، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي من الصحابة أن يحل ويجعلها عمرة، والجمهور يرون هذا الفسخ غير مشروع، وحملوا هذا الأمر على الخصوصية بتلك الرفقة، وبين الفريقين مناقشات يطول استقصاؤها.
وعلى القول بالمشروعية ـ ولعله أرجح إن شاء الله ـ فإن هذا الفسخ يشرع لكل من أهل مفردا أو قارنا ما لم يكن قد ساق الهدي ـ سواء فسخ قبل الطواف والسعي أو بعدهما ـ ما لم يقف بعرفة، فإذا كان قد طاف وسعى ثم نوى الفسخ قصر من رأسه وحل من إحرامه ثم أحرم بعد ذلك بالحج، وإن نوى الفسخ قبل الطواف طاف وسعى ثم حل، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: وسن لمفرد وقارن فسخ نيتهما بحج نصا، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي. متفق عليه.
وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل شيء منك حسن جميل إلا خلة واحدة، فقال ما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج، قال: كنت أرى أن لك عقلا عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا كلها في فسخ الحج أتركها لقولك؟.
وينويان أي المفرد والقارن بإحرامهما ذلك الذي هو إفراد أو قران عمرة مفردة، فمن كان منهما قد طاف وسعى قصر وحل من إحرامه، وإن لم يكن طاف وسعى فإنه يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا حلا من العمرة أحرما به أي: الحج ليصيرا متمتعين ويتمان أفعال الحج، ولو طافا وسعيا فيقصران وقد حلا ما لم يسوقا هديا أو يقفا بعرفة فلا يفسخان، فإن من وقف بها أتى بمعظم الحج وأمن من فوته بخلاف غيره. انتهى.
وأما المسألة الثانية: وهي أن من أحرم بالحج مفردا ثم أراد أن يدخل عليه العمرة فيصير قارنا لم يجز له ذلك في قول الجمهور وعللوه بأنه لا يستفيد به شيئا.
وذهب أبو حنيفة ـ وهو قديم قولي ـ الشافعي إلى أن إدخال العمرة على الحج جائز، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفردا ثم أتاه جبريل فأمره أن يقول عمرة في حجة، فإن قلنا بجواز إدخال العمرة على الحج فإنه جائز ما لم يقف بعرفة، لأنه يكون قد أخذ في أسباب التحلل، قال النووي في المجموع: إدخال العمرة على الحج لا يصح في أحد القولين ويصح في الآخر ما لم يقف بعرفة، فإذا وقف بعرفة لم يصح. انتهى.
فإذا أدخل العمرة على الحج فإنه يصير قارنا ويلزمه دم على القول بجواز ذلك، وأما إدخال الحج على العمرة فهو جائز في قول عامة العلماء، لحديث عائشة حين حاضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة، قال النووي في شرح مسلم: وقد اتفق جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة.
وشذ بعض الناس فمنعه وقال: لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة.
واختلفوا في ادخال العمرة على الحج فجوزه أصحاب الرأي ـ وهو قول الشافعي ـ لهذه الأحاديث ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
والله أعلم.