الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما بول الآدمي وغائطه فنجس إجماعا، ودليل ذلك ما في الصحيحين من أمره صلى الله عليه وسلم: بصب سجل من ماء على بول الأعرابي حين بال في المسجد. وقوله صلى الله عليه وسلم في اللذين كانا يعذبان في قبريهما: أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله. متفق عليه.
وأمره صلى الله عليه وسلم بالاستنجاء من البول والغائط، قال النووي ـ رحمه الله ـ مبينا أنواع الأبوال وحكمها من حيث النجاسة: فأما بول الآدمي الكبير فنجس بإجماع المسلمين نقل الإجماع فيه ابن المنذر وأصحابنا وغيرهم، ودليله الأحاديث السابقة مع الإجماع.
وأما بول الصبي الذي لم يطعم: فنجس عندنا وعند العلماء كافة. وحكى العبدري وصاحب البيان عن داود أنه قال: هو طاهر.
ودليلنا: عموم الأحاديث والقياس على الكبير، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نضح ثوبه من بول الصبي وأمر بالنضح منه فلو لم يكن نجسا لم ينضح.
وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها: فنجس عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة. وحكي ابن حزم ـ في كتابه المحلى ـ عن داود أنه قال: الأبوال والأرواث طاهرة من كل حيوان، إلا الآدمي. وهذا في نهاية من الفساد.
وأما بول الحيوانات المأكولة وروثها: فنجسان عندنا وعند أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما.
وقال عطاء والنخعي والزهري ومالك وسفيان الثوري وزفر وأحمد: بوله وروثه طاهران. انتهى.
وحجة من قال بطهارة أبوال وأرواث مأكول اللحم: أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها.
وأما نجاسة الغائط فمجمع عليها ـ كما قدمنا ـ قال النووي ـ رحمه الله ـ متعقبا الشيرازي في احتجاجه على نجاسة الغائط بحديث عمار: قال البيهقي: هو حديث باطل لا أصل له، وبين ضعفه الدار قطني والبيهقي ويغني عنه الإجماع علي نجاسة الغائط، ولا فرق بين غائط الصغير والكبير بالإجماع. انتهى.
وأما لعاب الكلب ففي نجاسته خلاف، فقال الجمهور بنجاسته ـ خلافا للمالكية ـ والراجح قول الجمهور، وبين النووي دليل ذلك، فقال في شرح المهذب: واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات.رواه مسلم.
وعن أبي هريرة ـ أيضا ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات ـ أو لاهن بالتراب. رواه مسلم. وفي رواية له: طهر إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبع مرات.
والدلالة من الحديث الأول ظاهرة، لأنه لو لم يكن نجسا لما أمر بإراقته، لأنه يكون حينئذ إتلاف مال، وقد نهينا عن إضاعة المال، والدلالة من الحديث الثاني ظاهرة ـ أيضا ـ فإن الطهارة تكون من حدث أو نجس وقد تعذر الحمل هنا على طهارة الحدث فتعينت طهارة النجس. انتهى.
وأما الخنزير: فهو نجس العين عند جماهير العلماء ونقله ابن المنذر إجماعا، وفيه نظر، ومما يستدل به على نجاسة الخنزير، قوله تعالى: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{الأنعام:145}.
والرجس: النجس، وقد جعل بعض العلماء الضمير في قوله ـ فإنه ـ رجس عائدا على الخنزير، لكونه أقرب مذكور، وجعله بعضهم عائدا على اللحم، لأنه المضاف وهو المحدث عنه وهذا اختيار ابن كثير، وعلى كل فهو دليل على نجاسة الخنزير.
قال أبو حيان في البحر: والظاهر أن الضمير في ـ فَإِنَّهُ ـ عائد على لَحْمَ خِنزِيرٍ. وزعم أبو محمد بن حزم: أنه عائد على خِنزِيرٍ. فإنه أقرب مذكور، وإذا احتمل الضمير العود على شيئين كان عوده على الأقرب أرجح، وعورض بأن المحدث عنه إنما هو اللحم، وجاء ذكر الْخِنزِيرِ على سبيل الإضافة إليه لا أنه هو المحدث عنه المعطوف، ويمكن أن يقال : ذكر اللحم تنبيهاً على أنه أعظم ما ينتفع به من الخنزير، وإن كان سائره مشاركاً له في التحريم بالتنصيص على العلة من كونه رجساً، أو لإطلاق الأكثر على كله، أو الأصل على التابع. انتهى.
وجعل بعض العلماء الضمير في الآية راجعا إلى جميع المذكورات، وهو اختيار السعدي ـ رحمه الله ـ فقد قال في تفسيره: أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ. أي: فإن هذه الأشياء الثلاثة رجس، أي: خبث نجس مضر حرمه الله لطفا بكم ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث. انتهى.
وعلى كل، فالآية من الأدلة على نجاسة لعاب الخنزير إن لم تكن دليلا على نجاسة عينه، واستدل على ذلك أيضا بأن الخنزير أخبث من الكلب فهو أولى منه بالتنجيس.
قال الشيرازي في المهذب: وأما الخنزير فنجس، لأنه اسوأ حالا من الكلب، لأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه ومنصوص على تحريمه، فإذا كان الكلب نجسا فالخنزير أولى. انتهى.
والله أعلم.