الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالطلاق باللفظ الصريح لا يحتاج إلى نية، فقولك لزوجتك في المرة الثانية: أنت طالق يقع به الطلاق، ولا يقبل قولك إنك لم تنو الطلاق، أو أردت بها التأكيد على الطلقة الأولى، إذا كنت قد تلفظت بها بعد مضي زمن يمكنك الكلام فيه.
قال ابن قدامة في المغني: فإن قال أنت طالق، ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية، ولم يقبل قوله نويت التوكيد، لأن التوكيد تابع للكلام، فشرطه أن يكون متصلا به.
قال البهوتي: زمن طويل أي زمن يمكنه الكلام فيه.
أمّا إذا كنت قد تلفظت بالثانية متصلة بالأولى إلا بما يكفي لالتقاط نفس أو سعال طارئ أو نحو ذلك، فإنك إذا كنت أردت بها التأكيد أو إفهام زوجتك بالطلقة الأولى فإنها لا تحتسب طلقة ثانية.
قال ابن قدامة: وإذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن قد وقعت بها الأولى فتلزمه واحدة.
فإذا كنت قد سبق لك طلاق زوجتك، وأكملت بهذه المرة ثلاث طلقات، فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى فلا تحلّ لك إلّا إذا تزوجّت زوجاً غيرك زواج رغبة لا زواج تحليل، ويدخل بها الزوج، ثم يطلقها وتنتهي عدتها منه.
وأمّا إذا كنت قد طلقت زوجتك دون الثلاث، فمن حقّك إرجاعها ما دامت في العدة، أمّا إذا انتهت عدتها فلا ترجع إليك إلا بعقد جديد.
وإذا كان يظهر لك من زوجتك ريبة وإصرارا فالأولى أن تطلقها، أمّا إذا لم يظهر منها ريبة، أو كانت قد ألمّت بشيء ثمّ تابت منه وظهر لك صدق توبتها، فالأولى أن تمسكها ولا تطلقها، ولا حاجة للتحقق من نسب ولدك فإنّ الأصل أن من يولد على فراشك يلحق بك إلّا أن تنفيه باللعان إذا تيقنت من زنا الزوجة.
واعلم أن الرجل ينبغي أن يقوم بواجبه في القوامة على زوجته، ويسد عليها أبواب الفتن، ويقيم حدود الله في بيته، ويتعاون مع زوجته على طاعة الله، وفي ذلك وقاية من الحرام وأمان من الفتن، فقد جعل الشرع حدوداً وآداباً لتعامل الرجال مع النساء الأجانب، تحقق العفة وتصون الأعراض، فمن ذلك تحريم الخلوة، وتحريم الخضوع بالقول، ومنع الكلام بغير حاجة، والأمر بالحجاب وغض البصر.
وننبّه إلى أنّ الأصل في المسلم السلامة، ولا يجوز اتهامه بغير بينة، كما أنّ الخوض في الأعراض أمر خطير. وانظر الفتوى رقم: 102526.
والله أعلم.