الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة، وفي ذلك أحاديث كثيرة. قال ابن قدامة في المغني: ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين ونهى عن ذلك عثمان وابن عمر وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فاقرع رأسه بالعصا. وكره ذلك عامة أهل العلم منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي، لما روى أبو هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ]. متفق عليه.
وروي عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك، فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء وأبو ذر يغمزني فقلت : متى أنزلت هذه السورة فإني لم أسمعها إلا الآن؟ فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال: سألتك متى أنزلت هذه فلم تخبرني قال أبي : ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره له وأخبره بما قال أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صدق أبي ) . رواه عبد الله بن أحمد في المسند وابن ماجه. وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة نحوه وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا . رواه ابن أبي خيثمة. انتهى بتصرف.
ولا يستثنى من ذلك إلا ما نص أهل العلم على استثنائه كالتأمين على دعاء الإمام وتكليمه للمصلحة كما دلت على ذلك الأحاديث.
قال ابن قدامة: وما احتجوا به فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام , أو كلمه الإمام ; لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته, ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل صليت ؟ فأجابه ، وسأل عمرُ عثمانَ حين دخل وهو يخطب, فأجابه, فتعين حمل أخبارهم على هذا, جمعا بين الأخبار, وتوفيقا بينها. انتهى.
وبه يتبين لك أن ترديد الآيات مع الإمام وكذا الأحاديث ليس مشروعا بل هو منهي عنه لأنه ينافي الإنصات المأمور به.
قال ابن رجب في فتح الباري في الكلام على حديث أبي هريرة: إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت: وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأمر بالإنصات في حال الخطبة لغواً ، وإن كان أمرا بمعروف ونهيا عن منكرٍ ، فدل على أن كل كلام يشغل عن الاستماع والإنصات فهو في حكم اللغو ولا يستثنى من ذلك إلا ما لا بد منه، مما يجوز قطع الصلاة لأجله، كتحذير الأعمى من الوقوع في بئر ونحوه .
وأجمع العلماء على أن الأفضل لمن سمع خطبةً الإمام أن ينصت ويستمع ، وأنه أفضل ممن يشتغل عن ذلك بذكر الله في نفسه ، أو تلاوة قرآن أو دعاءٍ. انتهى بتصرف.
ويؤيد هذا ما ذهب إليه كثير من أهل العلم في تفسير قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.{ الأعراف:204} من أن المراد بها حال الصلاة وحال سماع الخطبة وهو اختيار ابن جرير، وعليه فيكون ترديد الآيات مع الإمام حال الخطبة ممنوعا كترديدها معه حال الصلاة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وقال شعبة، عن منصور، سمعت إبراهيم بن أبي حرة يحدث أنه سمع مجاهدا يقول في هذه الآية: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا }. قال: في الصلاة والخطبة يوم الجمعة. وهذا اختيار ابن جرير أن المراد بذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة؛ لما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة. انتهى.
وبه يظهر لك أن ما سألت عنه هو من اللغو المنهي عنه.
والله أعلم.