الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
واعلم أن آثار المعاصي متنوعة ولا تنحصر في مجال الدراسة والمذاكرة. وقد ذكر العلامة ابن القيم في كتاب (الداء والدواء) كثيرا من آثار الذنوب والمعاصي. وانظر الفتوى رقم 52539. وما أحيل عليه فيها.
واعلم أيضا أن الذنوب قد تتأخر عقوباتها.
قال ابن الجوزي: ومما ينبغي للعاقل أن يترصد، وقوع الجزاء، فإن ابن سيرين قال: عيرت رجلاً فقلت: يا مفلس، فأفلست بعد أربعين سنة.
وقال ابن الجلا: رآني شيخ لي وأنا أنظر إلى أمرد، فقال: ما هذا ؟ لتجدن غبها، فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وقال أيضا: واعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب، فإن العقوبة تتأخر.
ومن أعظم العقوبة أن لا يحس الإنسان بها، وأن تكون في سلب الدين وطمس القلوب وسوء الاختيار للنفس، فيكون من آثارها سلامة البدن وبلوغ الأغراض.
قال بعض المعتبرين: أطلقت نظري فيما لا يحل لي، ثم كنت أنتظر العقوبة، فألجئت إلى سفر طويل لا نية لي فيه، فلقيت المشاق، ثم أعقبت ذلك موت أعز الخلق عندي، وذهاب أشياء كان لها وقع عظيم عندي، ثم تلافيت أمري بالتوبة فصلح حالي. ثم عاد الهوى فحملني على إطلاق بصري مرة أخرى، فطمس قلبي وعدمت رقته، واستلب مني ما هو أكثر من فقد الأول، ووقع لي تعويض عن المفقود بما كان فقده أصلح. فلما تأملت ما عوضت وما سلب مني صحت من ألم تلك السياط..." (صيد الخاطر)
وقال ابن مفلح: فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَرَقَّبَ جَزَاءَ الذَّنْبِ فَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ، وَلْيَجْتَهِدْ فِي التَّوْبَةِ. الآداب الشرعية.
كما أن عدم المؤاخذة بالمعاصي قد تكون استدراجا من الله عز وجل للعاصي.
ففي مسند أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. صححه الألباني.
وأسوأ من ذلك كله أن تؤخر عقوبة الذنوب إلى الآخرة. روى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
.والله أعلم.